ما يعتريه من الصفات وما يقوم به من الأفعال، فصار لها أربعة إطلاقات، ولكن هذه الأخيرة اختلف العلماء فيها هل هي عربية أو ليست عربية؟ يعني: هل هي لغة عربية أو لغة عرفية؟ فقال بعضهم: إنها لغة عربية، وقال بعضهم: إنها لغة عرفية، وكلام شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى يدل على أنها ليست من لغة العرب العرباء؛ أي: ليست عربية محضة، لكنها استعملها العرب فصارت لغة عرفية بينهم. ولها أيضًا معنى خامس: أن تكون مؤنث "ذو" فتكون بمعنى صاحبة كما تقول مثلًا: امرأة ذات علم ذات جمال، وما أشبه ذلك، أي: صاحبة جمال، أو صاحبة علم وما أشبهها.
وقوله:"ذات ليلة"، أي: ليلة من الليالي، "فقمت عن يساره فأخذ برأسي عن يساره"، أي: عن جانبه الأيسر، "قمت"، يعني: في الصلاة "فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسي من ورائي ... " إلخ، أخذ الشئ وأخذ به بمعنى: أمسك به، وتأتي أخذ من باب أفعال الشروع، وهذه يكون عملها عمل كان ويكون لها خبر مضارع، مثل: أخذ يفعل كذا، أي: شرع يفعل، أما التي هنا فليست أخذ من أفعال الشروع، ما معنى أخذ؟ بمعنى: أمسك وقبض، "أخذ برأسي رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورائي"، وضروري إذا أخذه من ورائه أن يجعله يمر من وراء الرسول صلى الله عليه وسلم، "فجعلني عن يمينه"، يعني: محاذيًا له صفًا واحدًا.
هذا الحديث سببه: أن ابن عباس رضي الله عنه -من حرصه على العلم- كان يتتبع النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ليلة من الليالي بات عند خالته ميمونه رضي الله عنها إحدى أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم ليرى صلاته فنام عنده، ولما قام الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ظن ابن عباس نائمًا، فقام يصلي وحده فقام ابن عباس رضي الله عنه يصلي معه لكنه صف عن يساره، فأخذ برأسه فجعله عن يمينه، والرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا الفعل كما سيأتي -إن شاء الله-.
فيستفاد من هذا الحديث: أولًا: حرص ابن عباس رضي الله عنه على العلم.
وثانيًا: جواز نوم القريب عند قريبته مع زوجها، لكنه كان نائمًا عندهما حتى إنه كان نائمًا في عرض الوسادة رضي الله عنه، وهذا ما لم يكن الزوجان يرضيان بذلك، فإن كانا لا يرضيان بذلك فلا يجوز.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز الصلاة جماعة بدون نية الإمامة، أي: أن نية المأموم تكفي عن نية الإمام، فإذا صليت وراء إنسان يصلي وأردت الجماعة، فإنه لا يحتاج إلى أن ينوي هو. وهذه المسألة سبق أن فيها خلافًا بين أهل العلم، فذهب بعض أهل العلم إلى جواز مثل هذه الصورة، أي: أن الجماعة يكفي فيها نية المأموم للائتمام ولا يشترط نية الإمام للإمامة، وهذا هو المشهور من مذهب مالك والشافعي، أما على مذهبنا فلا يجوز، بل لابد من نية الإمام