ما تربط بها الأشياء، يعني: يربط بعضه إلى بعض من فضة، يعني: كالأسلاك من الفضة، وذلك من أجل أن يتلاءم القدح ويكون صالحا للاستعمال، ففي هذا الحديث مناسبة لباب الآنية، ولكن ليت المؤلف جعله بعد حديث أم سلمة ولم يفصل بينهما؛ لأن هذا يتعلق بالإناء الذي فيه شيء من الفضة.
فيستفاد من هذا الحديث فوائد: أولا حرص النبي صلى الله عليه وسلم على حفظ المالية ما دام يمكن حفظها؛ وجه ذلك: أنه لما انكسر قدحه لم يرم به، بل أصلحه واستعمله.
ومنها: أن هذا يعتبر ركنا من أركان الاقتصاد، وهو ألا يضع الإنسان شيئا من ماله يمكنه أن ينتفع به، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، والمال - كما تعلمون- جعله الله تعالى قياما للناس، تقوم به مصالح دينهم ودنياهم، فلابد من أن يحافظ الإنسان على ماله؛ لأنه مسئول عنه، ولأنه به قيام دينه ودنياه كما قال تعالى:{ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما}[النساء: ٥].
ومنها: تواضع النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان يشرب في الأواني ولو كانت مربوطة.
ومنها: أنه تجوز السلسلة من الفضة يربط بها الأواني، ولا يعد ذلك من الشرب في آنية الفضة؛ لأن العبرة بأصل الإناء، وهل يلحق بذلك العروة أو لا؟ يعني مثلا لو أن هذا الإناء يحتاج إلى عروة من فضة هل يجوز أو لا؟
نقول: أما إذا احتيج إليها فنعم، وأما إذا لم نحتج إليها فلا، وذلك أنه لا يتم القياس على هذه المسألة إلا إذا دعت الحاجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما اتخذ السلسلة لحاجته إليها، لم يتخذها زينة.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز مباشرة الفضة التي ربط بها الإناء عند الشرب وعند الأكل، وجه ذلك: أن أنسا لم يذكر أن الرسول - عليه الصلاة والسلام- كان يتوقى مباشرة هذه السلسلة، قلت ذلك؛ لأن بعض العلماء - رحمهم الله- يقولون: يكره أن يباشر هذه السلسلة من الفضة؛ لأنه إذا باشرها صار مباشرا للفضة.
فنقول: أولا: لا دليل عليها، بل ظاهر الدليل أنه لا بأس؛ لأنه لم ينقل عن الرسول - عليه الصلاة والسلام- أنه كان يتوقاها.
ثانيا: أن الشيء إذا أذن فيه كان مباحا، فما دام الشرع قد أذن فيه فإنه يكون مباحا، فمثلا إذا كان الإناء مربعا عند بعض الفقهاء يقول: لا تشرب من الربعة التي فيها شريط الفضة؛ لأنك تباشرها فيكره أن يباشر الفضة، والصواب خلاف ذلك لا بأس أن يباشرها.