الثلاثة الذين دخلوا المسجد فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مع أصحابه في حلقة، فدخل رجل الحلقة، وجلس واحد خلفها، وانصرف واحد، فقال النبي - عليه الصلاة والسلام - حدثهم عن هؤلاء النفر الثلاثة:"أما أحدها فآوى فآواه الله"، من هو؟ الذي جلس في الحلقة، "وأمَّا الثاني فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه"، قالوا: فهذان رجلان جاءا فجلسا ولم يأمرهما النبي - عليه الصلاة والسلام - بالصلاة. وقالوا أيضًا في قصة كعب بن مالك رضي الله عنه حينما جاء بعد أن تاب الله عليه، والنبي - عليه الصلاة والسلام - جالس مع أصحابه حتى وقف على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمره بأن يصلي ركعتين، فدل هذا على عدم وجوبهما، وأظنكم إذا تأملتم هذين الدليلين وجدتم أنهما قد يعجزان عن مقاومة القول بالوجوب، كيف ذلك؟
أما قصة الثلاثة فهي قضية عين يجوز أن هؤلاء صلوا والرسول لم يقل لهم؛ لأنهم صلوا وقد يكونون على غير وضوء، ولكن فيه بعض الشيء، وقصة الرجل الذي جعل يتخطى الصفوف فقال له النبي - عليه الصلاة والسلام -: "اجلس فقد آيت". هل تصلح صارفًا؟ لا؛ لماذا؟ قد يكون صلى وجاء يتخطى الرقاب، إذن معنى ذلك أننا نصل إلى أن القول بوجوب تحية المسجد قول قوي جدًا، وأن الذي يدعها مخاطر ومعرض نفسه للإثم؛ لن جميع الأدلة التي قيل إنها صارفة عن الوجوب فيها شيء من النظر والمرء يحتاط لنفسه.
وقوله:"فصل ركعتين" هل يؤخذ منه أنه لو صلى ركعة واحدة كما لو دخل الرجل فأوتر بواحدة ثم جلس هل يكون آثما؟ أما من كان ظاهريًا فسيقول: هو آثم، يعني إذا قلنا بالوجوب فسيقول: إنه لم يأت بتحية المسجد؛ لأن الرسول - عليه الصلاة والسلام - يقول:"ركعتين"، وهذه ركعة، وأما من قال: إن هذا بناء على الأغلب، وأن القيد الأغلبي لا يعتبر له مفهوم؛ فسيقول: إن من صلى صلاة شرعية فإنه يحصل بها المقصود، فإذا دخلت فأوترت حصل بذلك المقصود، وهذا عندي هو الأقرب، فيكون الحديث - حديث أبي قتادة -: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" مبني على الأغلب، وما كان مبنيًا على الأغلب فإنه عند أهل العلم لا مفهوم له، وقد دل على ذلك القرآن أن ما كان مبنيًا على الأغلب فلا مفهوم له، دل عليه في آيتين مرتا علينا، قال الله تعالى في جملة المحرمات في النكاح:{وربائبكم التي في حجوركم من نسائكم التي دخلتم بهن}[النساء: ٢٢]، فعندنا قيدان: قيد في الربائب، وقيد في النساء أمهات الربائب، الربائب بماذا قيدهن الله؟ بـ {التي في حجوركم}،