يقول:"قدر له" أي: كتب وقدره الله عليه، وقال:"ثم أنصت" أنصت لماذا؟ حتى يفرغ الإمام من خطبته، قوله:"من خطبته" الظاهر أن هذا المفرد يراد به معناه، وليس يراد به العموم، يعني: أنصت حتى خطبته الأولى مثلًا ومن خطبته الثانية؛ لأن الكلام بين الخطبتين ليس بمحرم، ويحتمل أيضًا لفظ الحديث:"من خطبتيه"؛ لأن سكوت الإنسان حتى بين الخطبتين أفضل وأتم.
قال:"ثم يصلي معه - يعني: الجمعة - حتى ينصرف غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى". غفر، والغافر من؟ الله وحذف للعلم به؛ لأن الله تعالى يقول في القرآن:{ومن يغفر الذنوب إلا الله}[آل عمران: ١٣٥]. لا أحد يستطيع أن يغفر الذنوب، والمغفرة تقدم مرارًا أنها هي ستر الذنب والتجاوز عنه، وليست مجرد التجاوز بل والستر ولو مجرد الستر، من أين نعرف أنها ليست هي أحد أمرين من اشتقاقها؛ لأنها من المغفر، والمغفر: هو ما يستر به الرأس عند الحرب، ويحصل به الستر والوقاية.
وقوله:"ما بينه وبين الجمعة الأخرى" المقبلة، أما الماضية؟ فيها اختلاف؛ فمنهم من قال: الماضية؛ لأنها هي التي وقعت فيها الذنوب، أما المستقبل فلا.
وقوله:"وفضل ثلاثة أيام" كم يكون الفضل؟ عشرة أيام، قوله:"غفر له" تقدم، وقوله:"بينه وبين الجمعة الأخرى" الظاهر أن المراد بذلك: أنه لابد أن يصلي، فأما لو لم يصل الجمعة الأخرى بدون عذر فإنه لا يحصل له ذلك، ولكن لابد أن تحصل صلاة الجمعة في الأول وفي الآخر.
يستفاد من هذا الحديث إذن فوائد متعددة: أولًا: فضيلة الاغتسال.
فإن قال قائل: كيف تأخذون من هذا فضيلة الاغتسال، والثواب مرتب على عدة أفعال؟
فالجواب: أنه لولا أنه له أثر في حصول هذا الفضل لكان ذكره لغوًا من القول لا فائدة منه، وهذا هو المطلوب أن يكون له أثر بحصول الفضل، أرأيت قوله تعالى:{ما سلككم في سقر قالوا ألم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين}[المدثر: ٤٢ - ٤٦]. فاستدل العلماء بهذه الآية على أن الكافر مخاطب بفروع الشريعة مع أن كونه يكذب بيوم الدين سبب موجب للخلود في النار، ولكن هذه الأفعال الأخرى التي لا يفعلها ذكرت؛ لأنه يعاقب عليها، فالعلماء - رحمهم الله - جعلوا ذكر هذه الأوصاف دليل على أن لها أثر في تعذيب هذا الرجل في النار.
يستفاد من هذا الحديث أيضًا: أنه ليس للجمعة سنة راتبة قبلها لقوله: "فصلى ما قدر له".
ويستفاد منه: أن أفعال العباد مقدرة الله لقوله: "ما قدر له"، فيكون في ذلك رد على القدرية