للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الأحاديث في بيان ما من الله به على هذه الأمة من ساعة الإجابة يوم الجمعة، قال الرسول - عليه الصلاة والسلام -: "إن فيه ساعة"، والمراد بالساعة: الزمن، وليس المراد بها الساعة الواحدة من أربعة وعشرين جزءًا من الليل والنهار، "لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم"، القيد الثالث: "وهو قائم يصلي" والجملة هذه حال، "يسأل الله" حال أيضًا، "يسأل الله عز وجل شيئًا إلا أعطاه إياه" أي: إلا أعطاه ذلك الشيء.

وقوله: "يسأل الله شيئًا" نكرة في سياق الإثبات فتكون مطلقة أي شيء يكون، ولكنها مقيدة بما إذا لم يعتد في دعائه، فإن اعتدى فإن الله لا يجيبه لقوله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعًا وخفيةً إنه لا يحب المعتدين} [الأعراف: ٥٥]. فالمعتدي في الدعاء لا يجاب له حتى في وقت الإجابة؛ لأن الله تعالى لا يحب المعتدين فكيف يجيبهم، والاعتداء في الدعاء أن يدعو الإنسان بما لا يحل له إما أن يدعو بما لا يمكن شرعًا، أو بما لا يمكن قدرًا، أو بما هو محرم شرعًا، فهذا كله اعتداء في الدعاء، فلو دعا على شخص غير مستحق للدعاء عليه هل يستجاب له؟ لا؛ لأنه ظالم، والله لا يجيب دعوة الظالم، كذلك لو دعا با لا يمكن شرعًا مثل أن يقول: "اللهم اجعلني نبيا" فلا يجوز، أو دعا بما لا يمكن قدرًا، يعني مثلًا: بأن دعا أن يجعل الله له ملك السموات والأرض، فلا يصلح، لماذا؟ لا يمكن قدرًا وإن كان الله على كل شيء قديرًا لكن نعلم أن الذي له ملك السموات والأرض هو الله - سبحانه وتعالى -، فالمهم أن الاعتداء في الدعاء لا يقبل حتى في ساعة الإجابة.

وقوله: "إلا أعطاه إياه" "أعطاه" فعل مطلق؛ لأنه يدل على الفورية، فقد يعطيه الله تعالى إياه فورًا وقد يتأخر، لكن لا يستبطئ الإجابة إذا استبطأ الإجابة حرمها إذا دعا ثم قال: دعوت فلم يستجب لي فإنه يحرم، بل الواجب أن يحسن الإنسان ظنه بربه، والله تعالى له الحكمة البالغة في إجابته وعدم إجابته.

وقوله: "إلا إعطاه إياه" قد يقول قائل: هذا مطلق أفلا نقيده بالأحاديث الخرى الدالة على أن من دعا الله عز وجل فإن الله - سبحانه وتعالى - يجيبه، أو يدخر ذلك له إلى يوم القيامة، أو يدفع عنه من البلاء ما هو أعظم مما يدعو به، أو يترك، هل يصلح أن يقيد هذا الحديث بذلك؟ نقول: لا يصح؛ لماذا؟ ؟ لأننا لو قيدناه بذلك لم يكن لذكره في هذا الوصف فائدة؛ إذ إن هذا الحكم آنفًا: "أو يستجيب، أو يدخر، أو يدفع عنه" هذا الحكم عام في كل الدعوات.

لكن لو قال قائل: نحن نجد كثيرًا من الناس يدعون في ساعة هي أرجى ما تكون من الساعات ومع ذلك لا يستجاب لهم؟

فنقول: صدق الله ورسوله وكذبت، كما قال الرسول في قصة العسل: "كذب بطن

<<  <  ج: ص:  >  >>