للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليست هي السنة في اصطلاح الفقهاء، الفقهاء يريدون بالسنة: ما أمر به لا على سبيل الوجوب، وأما في لسان الصحابة فالمراد بها: طريقة النبي - عليه الصلاة والسلام - سواء كانت واجبة أو مستحبة، فمن الواجبة قول أنس: "من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعًا، ثم دار". هذا وجوب من السنة الواجبة، ويروى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "من السنة وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة". هذه من السنة المستحبة.

هنا قال: "مضت السنة" يعني: سنة الرسول - عليه الصلاة والسلام - "أن في كل أربعين فصاعدًا جمعة". "في كل" جار ومجرور خبر مقدم، و"جمعة" بالنصب اسمها مؤخر، وأما قوله: "فصاعدًا" فمنصوبة على الحال، وقد اختلف العلماء في هذا العدد على نحو عشرة أقوال، ولكن الأقوال المشهورة هذا الحديث، وهو حديث ضعيف لا يجوز الاحتجاج به، وأما اثنا عشر فمستنده ما رواه مسلم في قصة انتظار الصحابة - رضي الله عنهم - حي جاءت العير من الشام فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلًا، وهذا لا دليل فيه؛ لأنها قضية عين، فلا ندري لو بقي عشرة ماذا يكون الحكم، لو بقي أربعة عشر ماذا يكون، فما دام أن هذا العدد وقع اتفاقًا فإنه لا يمكن أن يؤخذ شرطًا من الشروط، وذكرنا قاعدة فيما سبق أن كل ما وقع اتفاقًا فإنه لا يعتبر حكمًا شرعيًا؛ لأنه لو الأمر اتفق على سوى ذلك ما تغير الحكم، والدليل على أنه لا يتغير الحكم أنه لو كان الحكم يتغير لكان الرسول - عليه الصلاة والسلام - يبينه، وعلى هذا فإنه لا يكون فيه دليل على أنه - أي: العدد المشترط للجمعة - اثنا عشر.

لكن علىقول من يقول إن العدد أربعون ماذا يجيبون عن هذا الحديث - وهو في صحيح مسلم - قالوا: لعلهم رجعوا - أي: الأربعون - قبل أن تنقضي الصلاة؛ بل قبل أن يفوت ركن من أركان الخطبة، وهذا لا شك أنه بعيد جدًا، والقول الثالث في المسألة: أن الذي يشترط ثلاثة فقط، وهذا القول هو الراجح، وسبق لنا أنه به يتحقق الجمع، وبه يتضح معنى قوله تعالى: {يأيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} [الجمعة: ٩]. فإنه منادٍ وإمام وساعٍ، وهذا أحسن الأقوال، ولكن هذا لابد أن يكونوا في قري مستوطنين، وأما إذا كانوا في البر فإنه لا جمعة عليهم، وهناك من قال: تنعقد باثنين، فيرد عليهم بما ورد في السنين: "ما من ثلاثة في قرية لا تقام فيهم الجمعة إلا استحوذ عليهم الشيطان". وإن الذي يتحقق به معنى الجمع ولاشك فيه هو الثلاثة فأكثر، ولأن الآية تشير إلى ذلك وإن كانت صريحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>