تلزمه، وأيضًا هو نفسه لا يصح أن يكون إمامًا فيها ولا خطيبًا، ولا يحسب من العدد؛ لأنه ليس ممن تلزمه بنفسه، إذا كان هذا المسافر لا يلزمه الإتمام كما لو كانت نيته أن يقيم أقل من أربعة أيام وهذا التفريع على المذهب، أو كان مقيمًا لحاجة ولا يدري متى تنقضي فقد يبقى عدة سنوات فهذا الرجل يقولون: لا تلزمه الجمعة لا بنفسه ولا بغيره؛ يعني: أنه لو أقيمت ما يلزمه، عند عتبة المسجد ويسمع النداء لا نقول: ادخل صل لماذا؟ لأنه مسافر فلا تلزمه الجمعة لا بنفسه ولا بغيره، ولو دخل لا يكمل به العدد، ولا يصح خطيبًا، ولا يصح إمامًا، وبناء على كلامهم - رحمهم الله - المسافرون الآن الذين يسافرون للدراسة ويبقون أربع سنين، أو خمس، أو عشر سنين وهم يعلمون ذلك، هل يحسبون من العدد؟ لا، ولا تنعقد بهم الجمعة، ولا تلزمهم وإذا فعلوا لم تصح، وعلى هذا لو وجدنا ولاية من الولايات في أمريكا أو غيرها كل الذين فيها من المسلمين كلهم جاءوا للدراسة ليسوا مستوطنين ثم أقاموا الجمعة فإن الجمعة على المذهب لا تصح منهم ويلزمهم أن يعيدوها ظهرًا، فإذا قدموا إلينا مثلًا وهم قد أقاموا هناك خمس سنين، وقالوا المدة هذه كنا نقيم الجمعة نقول: لا تصح الجمعة منكم، كم يقضون؟ يقضون الجمعة ظهرًا خمس سنين، وهل يقضونها ظهرًا تامًا أو مقصورًا؟ تامًا على المذهب؛ لأنهم يقولون: إن من وجب عليه صلاة السفر ثم ذكرها في الحضر وجب عليه الإتمام أربعًا، هذا هو معنى قولنا:"تلزم بغيره أو بنفسه، أو لا تلزم لا بغيره ولا بنفسه".
ولكن ظاهر الأدلة الصحيحة عندنا أن المسافر تلزمه الجمعة ولو كان لا يريد البقاء إلا يومًا أو يومين أو أكثر، ما دام سمع النداء يجب عليه الحضور لعموم قوله تعالى: } يأيها الذين أمنوا إذا نودى للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع {[الجمعة: ٩]. هذا نداء عام، نقول: من أخرج المسافر الذي أقام ينتظر حاجته ثم يرجع من أخرجه من هذا العموم فعليه الدليل، وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى وهو الصحيح؛ لأنه ينبغي لنا إذا جاءنا عموم أن نحكم بهذا العموم على جميع الأفراد ما لم يرد تخصيص، هذه القاعدة الشرعية التي مشى عليها النبي - عليه الصلاة والسلام -، قال النبي - عليه الصلاة والسلام - لما علمنا أن نقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين - قال:"إذا قلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض"؛ إذن صار العموم يعم جميع الأفراد، مع أني في ظني أن المصلي ما كان يقصد بذلك وهو يسلم على الملائكة أنه يسلم على الأموات السابقين أو الأموات الذين سيأتون من الصلحاء، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أنه يسلم على كل عبد صالح في السموات والأرض، إذن} يأيها الذين أمنوا إذا نودى للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع {الآية [الجمعة: ٩]. نحن قد عرفنا أن اسم الموصول يفيد العموم، وهذا المسافر من الذين آمنوا فيجب عليه السير إلى الجمعة.