لما انصرفوا وجاه العدو ورجعت الطائفة التي كانت وجاه العدو فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين فكانت هذه الصلاة ركعتين ركعتين للنبي صلى الله عليه وسلم وللجماعة. الرسول ركعتان والطائفة الأولى وركعتان للطائفة الثانية، ولم تخالف هذه القواعد إلا في مسألة واحدة وهي أن الإمام كان متنفلًا بالنسبة للطائفة الثانية وخلفه مفترضون، وقد أخذ الإمام أحمد رحمه الله بهذه الصفة، وهي مما استثني على المذهب؛ لأن المشهور من مذهب الحنابلة أنه لا يصح ائتمام مفترض بمتنفل إلا في هذه المسألة من وجوه صلاة الخوف؛ وإلا فيما إذا كان الخلاف بحسب اعتقاد الإمام والمأمومين ليس بحسب الحقيقة، ولكن بحسب الاعتقاد مثل أن تصلي خلف إمام صلاة العيد هو يعتقد أنها نافة، وأنت تعتقد أنها فريضة؛ لأن بعض أهل العلم يقول: إن صلاة العيد نفل، وليست بفرض، لقول النبي - عليه الصلاة والسلام - لما سأله الأعرابي:"هل علي غيرها؟ قال: "لا، إلا أن تطوع". قالوا: فلو كان الإمام يرى أن صلاة العيد نفل وأنت أيها المأموم ترى أنها فرض جاز لك أن تصلي خلفه؛ لأن الصلاة هنا واحدة لكن اختلفت بحسب الاعتقاد، ومثلها أيضًا على قياس المذهب إذا كنت تصلى خلف إمام يرى أنها نافلة، وأنت ترى أنها واجبة فستصلي فريضة خلف متنفل بحسب اعتقاده، ولكن تقدم لنا أن القول الراجح في هذه المسألة: أنه يجوز أن يقتدي المفترض بالمتنفل، وأن هذا منصوص أحمد رحمه الله في رجل جاء في رمضان ووجدهم يصلون التراويح فدخل معهم يريد صلاة العشاء، قال الإمام أحمد: فهذا جائز، وهذه فريضة خلف نافلة، وسبق لنا أن من الأدلة على ذلك حديث معاذ، وسبق لنا أن من قال: إن حديث معاذ لم يعلم به الرسول - عليه الصلاة والسلام - فإن وجهه مردود من وجهين:
الوجه الأول: أن هذا أمر بعيد، لاسيما وأن معاذًا قد شكي إلى الرسول - عليه الصلاة والسلام - أن يطول في الصلاة بالناس؛ فحاله يظهر أنها بائنة للرسول - عليه الصلاة والسلام - والشيء الثاني: الوحي أنه على فرض أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم به فقد علم به الله، والرب - سبحانه وتعالى - لا يقر أحدًا على منكر أبدًا، ولهذا لما أخفى المنافقون ما يخفون فضحهم الله فقال: } يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول {[النساء: ١٠٨]. واستدل الصحابة ومن بعدهم على جواز العزل عن المرأة عند الجماع بأن الصحابة كانوا يفعلونه والقرآن ينزل. فالمهم: أن هذه المسألة هي أحد وجوه صلاة الخوف وصورتها: أن يصلي الإمام ركعتين بطائفة ويسلم بهم، ثم تأتي الطائفة الثانية فيصلي بهم ركعتين فتكون