للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التخيير والتشهي أو على تقدير المصلحة؟ صوابه: أنه تخيير مصلحة، وأن الإمام يرى ما هو أصلح، وكلما أمكن اجتماع الجماعة واتحادهم فإنه أولى، ما الدليل؟ حديث جابر أنه لما كان العدو بينهم وبين القبلة لم يقسمهم الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فهذا دليل على أنه كلما أمكن في الصفات هذه كلها أن يكون الناس جميعًا على الإمام فإنه أولى وهذا هو الأصل، ولكن في بعض الأحيان تأت ظروف ما يتمكن الجيش أو الإمام بالصلاة جماعة على الإمام فجعل الله في الأمر سعة وفروجًا.

ثم إنه إذا قدر أن الأمر لا يمكن، يعني: ما يمكن الجماعة لشدة القتال والتحام العدو بالمسلمين فماذا يصنعون؟ قال بعض أهل العلم: يؤخرون الصلاة حتى يأمنوا ويصلونها صلاة أمن، واستدل هؤلاء بفعل النبي (صلى الله عليه وسلم) في الخندق بأنه أخر. وقال آخرون: لا يجوز أن يؤخروا بل الواجب أن يصلوا في الوقت، ولكن على حسب حالهم إلى القبلة أو إلى غيرها بالإيماء أو بالركوع أو بالسجود حسب الحال؛ لقوله تعالى: {فإن خفتم فرجالًا أو ركابًا} (البقرة: ٢٣٩).

ولكن ما هو الجواب عن فعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) في غزو الخندق؟

قال بعض أهل العلم: إنها لم تشرع بعد، وإنما شرعت بعد ذلك، فالرسول فعلها قبل أن تشرع صلاة الخوف.

وقال آخرون: بل الجواب: انه إذا كان الناس في شدة عظيمة ما يتمكنون من مراقبة الصلاة لا بالقول، ولا بالفعل، ولا بالقلب: زاغت الأبصار وبلغت القوات الحناجر، ففي هذه الحال لهم أن يؤخروا لأنهم كيف يصلون؟ والذي يحس بذلك من هو في الموقف ففي هذه الحال يؤخر، وأما إذا كان الأمر في شدة لكن يتمكن من استحضار صلاته بقلبه ومما يقدر عليه من الإيماء فإنه يجب عليه أن يصليها في الوقت، وقد ذكر أنس بن مالك (رضي الله عنه) أنهم كانوا في إحدى الحصون في تستر- بلد من بلاد الأهواز- كانوا منهضين ذلك الحصن، وكان اشتغال القتال عند طلوع الفجر، فلم يتمكنوا من الصلاة، وأخروها إلى أن تعالى النهار عند زوال الشمس، فصلوا وفتح الله لهم وكان معهم أبو موسى الأشعري (رضي الله عنه)، يقول أنس: ما أحب أن يكون لي بهذه الصلاة الدنيا وما فيها. فهذا يحمل على ما إذا كان الخوف شديدًا جدًا ما يتمكن الإنسان من أي قول. وذهب من أهل العلم من ذهب إلى أنه اشتد الخوف حتى إذا كان الإنسان ما يتمكن من الإيماء أنه يجزئ التكبير أو التسبيح أو التهليل، يقول: "سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر" ويجزئ هذا، قالوا: لأن الصلاة ذكر، فإذا تعذر فعلها على الوجه المعلوم

<<  <  ج: ص:  >  >>