للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحديث الرجل الذي أعلمه الرسول (صلى الله عليه وسلم) بشرائع الإسلام، فقال: هي على غيرها؟ قال: "لا، وإلا أن تطوع". قالوا: هذا الحديث يدل على أنه لا يجب على المرء سوى خمس صلوات، ومنها صلاة العيد غير واجبة، والذين قالوا بأنها فرض كفاية قالوا: إن هذه أمر بها وهي من الشعائر الظاهرة، والشعائر الظاهر في الإسلام لابد أن تكون موجودة؛ لأنها مظهر من مظاهر الإسلام؛ وذلك وجب الأذان على المسلمين عمومًا، وصار فرض كفاية؛ لأنه من الشعائر الظاهرة، والدليل أن النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا نزل بقوم سمع أذانًا أمسك، وإن لم يسمع أغار عليهم، ودل هذا على أن الشعائر الظاهرة هي العلامة التي تميز بيد دار الكفر ودار الإسلام، وإذا كان كذلك فلابد أن يكون للإسلام في دار الإسلام طابع ظاهر يتبين به إن هذه دار إسلام، ويفرق فيه بينها وبين غيرها فتكون فرض كفاية، ويكون قوله: "هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع" يعني: من فروض الأعيان لا من فروض الكفايات.

وقال بعض أعل العلم: إنها فرض عين كل واحد يجب أن يخرج، واستدل هؤلاء بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) أمر النساء أن تخرج، ولو كان فرض كفاية لاكتفى بمن يحضر من الرجال، وهذا الأخير اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) وقال: إنه يجب على كل مسلم أن يخرج ويصلي العيد، فمن لم يفعل فهو آثم، وإن صلة غيره.

والمسألة مترددة عندي بين فرض الكفاية وفرض العين، أما القول بأنها سنة فهو ضعيف جدًا، والاستدلال بحديث معاذ وبحديث الإعرابي استدلال به ضعيف أيضًا؛ لأنه يقال في الجواب عليه: إنما الصلوات الخمس الدائرة يوميًا لا جب سواها، والجمعة بدل عن الظهر فتكون داخلة فيه، وأما ما وجب بسبب فإنه خارج من ذلك الحصر، والدليل أن صلاة الكسوف ذهب كثير من أهل العلم إلى وجوبها، وأن تحية المسجد كذلك ذهب كثير أهل العلم إلى وجوبها، وأن الرجل لو نذر أن يصلي وجب عليه الوفاء بالنذر، وهي صلاة، وهذا متفق عليه، فدل هذا على أن المراد بالحديثين- حديث معاذ وحديث الأعرابي- الصلوات المتكررة اليومية لا يجب سوى الخمس نعم فيه دليل على عدم وجوب الوتر؛ لأن الوتر يتكرر كل يوم، ففي الحديث دليل على عدم وجوبه، وإما أن يبقى الأمر دائر بين فرض الكفاية وفرض العين، من قال بأنها فرض عين فإن قوله يتضمن القيام بفرض الكفاية وزيادة، وتحصل به إقامة هذه الشعيرة الظاهرة، ومن قال بأنها فرض كفاية يقول إذا حضر مع الإمام من يحصل بهم الواجب فإنه يسقط عن البقية، والمسألة عندي لم تتحرر تحررًا كبيرًا بالنسبة إلى أنها فرض كفاية أو فرض عين، لكن لا شك أن من أخل بها فهو على خطر.

<<  <  ج: ص:  >  >>