قلنا: بلى، الحجة في فعله، ولكنه يذكر فعل أبي بكر وعمر ليتبين أن الأمر لم ينسخ، وأنه بقي إلى ما بعد حياة الرسول صلى الله عليه وسلم. ثانيًا: ليستدل به على من خالف هدي الخلفاء من الأمراء أو غيرهم، مثل ما سيأتينا في سبب ذكر هذا الحديث، وكذلك أيضًا مثل ما ذكروا عن عثمان رضي الله عنه لمَّا كان في خلافته يقصر الصلاة في منى ثم أتمها، فكانوا يحتجون عليه بفعل الرسول - عليه الصلاة والسلام - وأبي بكر وعمر.
يقول:"كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة"، والحكمة من ذلك أو الفرق بينها وبين الجمعة: أن الجمعة الخطبة فيها شرط على القول الراجح ولابد منها، والشرط يتقدم المشروط، وأما الخطبة في العيدين فإنها سنَّة لو لم يخطب صحت الصلاة، ولا يجب حضورها واستماعها؛ فلهذا ترك الناس أحرارًا من صلى العيد وأراد الانصراف فلينصرف، بخلاف الجمعة فإنه يجب حضور الخطبة واستماعها، ومعلوم أنه لو قدمت خطبة العيد لكان من لازم ذلك أن يلزم الناس بالحضور والاستماع هذا هو الحكمة.
ومن ثمَّ - وهي مسألة ليست من هذا الباب، لكن استطرادًا - يتبين أنه إذا اجتمع كسوف وصلاة فريضة مع اتساع الوقت لهما فالمقدم الفريضة، أولًا: لأنها أهم، والثاني: لأجل أن يترك الأمر لمن صلى الفريضة إن شاء بقي للكسوف، وإن شاء لم يبق، خصوصًا إذا قلنا: إن الكسوف سُّنَّة، وليست بواجبة، ولأن الفريضة أحب إلى الله عز وجل فينبغي أن تقدم على ما دونها، هذه المسألة استطرادية.
يقول:"يصلون العيدين قبل الخطبة"، كلمة "الخطبة" مفرد، فهلي هذا من جنس الشامل للخطبتين أو أنها خطبة واحدة؟ أكثر الأحاديث على أنها خطبة واحدة، وأن الرسول - عليه الصلاة والسلام - لم يخطب في العيد خطبتين، لكن روى ابن ماجه أنه كان يخطب خطبتين يفصل بينهما بجلوس؛ ألا أن الحديث ضعيف، وعلى هذا فيكون "قبل الخطبة"، "أل" هنا لبيان الحقيقة، معناه: أن الخطبة واحدة فقط.
هذا الحديث حدث به الصحابة أولًا إحياءً للسُّنَّة وبيانًا لها، وثانيًا: لأن بعض الأمراء أو الخلفاء صاروا يقدمون الخطبة على الصلاة اجتهادًا منهم، وحرصًا منهم على تعلُّم الخير يستمعون إلى الخطبة فرأوا أن يقدموها، ولكن هذا الاستحسان استحسان باطل، ما الذي يبطله؟ النص، وهو نظير من قال: إن أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه أتم في منى، لأنه صار يصلي خلفه الأعراب والجهال، فخاف أن يظن الناس أن الصلاة ركعتان فقط فأتم لذلك، نقول هذا بعيد أن