بـ {ق}، و {اقتربت}"، وثبت لنا من حديث النعمان بن بشير أنه كان يقرأ بسبح، وهل أتاك. وبهذا نعرف أن "كان" لا تقبل الاستمرار دائمًا بل غالبًا.
قال: "يقرأ في الفطر والأضحى"، أي: في العيدين في الصلاة بـ {ق}، {ق والقرءان المجيد} ق: ١]. كلمة "ق" حرف من حروف الهجاء، هل له معنى؟ قال بعض أهل العلم: إن له معنى وأنه رمز إلى أشياء يعينونها، وقال بعض أهل العلم: إن له معنى الله أعلم به، وقيل: لا نقول: له معنى، ولا معنى له، إنما تقول: الله أعلم، وقال بعض العلماء: بل نقول: لا معنى له، فعندنا الآن أربعة أقوال، والصواب أننا نقول: أنه لا معنى له.
فإن قلت: كيف تجزم بأنه لا معنى له وهو كلام الله عز وجل؟
قلت: أجزم بذلك استنادًا إلى قوله تعالى: {نزل به الروح الأمين * على فلبك لتكون من المنذين * بلسانٍ عربيٍ مبينٍ}[الشعراء: ١٩٣ - ١٩٥]. واللسان العربي المبين لا يجعل لهذه الحروف معني، فحينئذٍ يتبين أنه لا معنى له، واستنادا إلى أن الله عز وجل يقول لنبيه - عليه الصلاة والسلام - {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}[النحل: ٤٤]. وهذا مما تزِّل، ولو كان له معنى لبيَّنه النبي - عليه الصلاة والسلام -، فلمَّا لم يبينه علم أنه لا معنى له.
إذن يرد علينا مسألة عظيمة كبيرة وهي أن يكون في كلام الله تعالى ما هو لغو، قلنا: هذا إيراد صحيح، لكن عنه جواب صحيح، اللغو: هو الذي لا فائدة منه، وهذه الحروف لها فائدة عظيمة، وهي: أن القرآن الكريم الذي عجز هؤلاء الفصحاء البلغاء لم يأت بحروف لا يعرفونها وإنَّما أتى بحروف يعرفونها ويبنون منها كلماتهم ثم كلامهم، ومع ذلك أعجزهم.
وأما "اقتربت" ففيها الإشارة إلى الأمم السابقين ومواقفهم من أقوامهم وماذا حلَّ بهم - أي: بالمكذبين بالرسل - ففيها موعظة عظيمة لمن كان له قلب، وفيها أيضًا ذكر الجنة والنار، ومآل المؤمنين المتقين:{إن المتقين في جنتٍ ونهرٍ * في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر}[القمر: ٥٤ - ٥٥].
وعلى هذا فنقول: يشرع أن يقرأ الإمام في صلاة العيدين بـ "ق"، و"اقتربت الساعة" أحيانًا، وأحيانًا بـ "سبح" و"الغاشية"، أيهما أفضل أن يقتصر على واحد منها دائمًا، أو أن يقول هذا مرة وهذا مرة؟ الثاني هو الصحيح، ولهذا نقول: إن الأفضل في جميع العبادات التي وردت على وجوه متنوعة أن يقرأ بهذا تارة وهذا تارة فيكون قائما بالسُّنَّة كلها.