للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيضًا: يلحق بها بقية الصلوات، فينبغي إذا خرج إلى المسجد من طريق أن يرجع من طريق آخر، وتوسع آخرون فقالوا: ينبغي في كل عبادة يقصدها أن يذهب من طريق ويرجع من آخر، حتى لو ذهب إلى زيارة أخيه في الله، أو إلى عيادة مريض فإنه يذهب من طريق ويرجع من آخر، هذا التوسع زائد، والتوسع في دلالات القياس إلى هذا الحد كالتوسع في دلالات الألفاظ بأن تدخل في اللفظ ما لا يحتمله، وكلاهما خطأ في الاستدلال، والواجب على طالب العلم التحري والدقة في الإلحاق سواء كان ذلك عن طريق اللفظ أو عن طريق المعنى الذي هو القياس؛ لماذا لأن الذي يلحق شيئًا بشيء أو يدخل فردًا في عموم معناه أنه قال على الله قولًا، فإذا لم يكن عن علم تشهد النصوص له بالقبول فإنه لا يجوز أن يعتمد.

ولهذا كان الصحيح في هذه المسألة أنه يقتصر على ما جاء به النص وهو المخالفة في صلاة العيد فقط، أما ما سواها فلا يلحق بها، فالرسول - عليه الصلاة والسلام - كان يعود المرضى، وكان يشهد الجنائز، وكان - عليه الصلاة والسلام - يصلي الجمع والجماعات، ويذهب في الغزو، ويذهب أيضًا في الحج والعمرة ما ورد عنه أنه كان يخالف الطريق، نعم في ذهابه إلى عرفة ورجوعه منها ورد أنه كان يخالف الطريق، وأما أنه إذا دخل المسجد من باب يخرج من باب آخر وما أشبه ذلك فهذا ما ورد.

٤٧٤ - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما. فقال: قد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر". أخرجه أبو داود والنِّسائيُّ بإسنادٍ صحيحٍ.

قوله: "قدم المدينة" يعني: قدمها مهاجرًا من مكة، وإنما هاجر النبي - عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة مع محبته لمكة؛ لأن أهل مكة منعوه أن يظهر دين الله عز وجل حتى إنهم تمالئوا على أن يقتلوه أو يحبسوه أو يخرجوه: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير المكرين} [الأنفال: ٣٠]. "قدم المدينة" كانت تسمى يثرب، ثم سميت المدينة في كتاب الله وفي سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يسمها الله تعالى يثرب إلا حكاية عن المنافقين: {وإذ قالت طآئفة منهم يأهل يثرب لا مقام لكم} [الأحزاب: ١٣]. لكن مع الأسف تجد أن بعض الكتاب العصريين يرون أنه من الطيب ويتطايبون إذا قالوا: قدم يثرب، وخرج من يثرب، وجاء إلى يثرب، مع أن المدينة هو اسمها، وقوله: "المدينة"، في الأصل المكان الذي يجتمع فيه الناس يسمى مدينة، ولكنها صارت علمًا بالغلبة على مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا كما قال ابن مالك:

<<  <  ج: ص:  >  >>