للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حمراء، وإذا قلت: خير لك من حمر النعم وضممت الميم أخطأت خطأ عظيما؛ لأن حمر: جمع حمار إذن الحمر الأهلية، الأهلية: يعني المستأنسة التي يركبها الناس ويستعملونها في حاجتهم، وضدها الوحشية فإنها ليست حراما، وسيأتي إن شاء الله، وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا طلحة؛ لأن أبا طلحة كان رفيع الصوت، وإن مثل هذه المسائل العامة التي يطلب فيها شيوع الخبر ينبغي أن يقوم بها من كان أعلى صوتا وأندى صوتا.

أولا: نسأل: لماذا أتى المؤلف بهذا الحديث في باب إزالة النجاسة مع أن له صلة كبيرة بكتاب الأطعمة؟ أتى به المؤلف في كتاب إزالة النجاسة لقوله: "فإنها رجس"؛ لأن رجس بمعنى: نجس.

ففي هذا الحديث فوائد منها: أنه ينبغي إعلام الأحكام الشرعية بأقوى ما يحصل به الإعلام، وجهه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا طلحة لارتفاع صوته بإعلان هذا الحكم الشرعي.

ومنها: أن استعمال مكبر الصوت في إبلاغ الخطبة للمصلين واستعمال الإذاعة وهي أوسع انتشارا من الأمور التي جاءت بمثل السنة، فيكون في ذلك رد على من أنكر هذا وقال: هذه بدعة؛ لأنه لم يكن معروفا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

ومنها: جواز الجمع بين اسم الله واسم الرسول بالواو في الأحكام الشرعية لقوله: "إن الله ورسوله ينهيانكم"، ولم يقل: ثم رسوله، ووجه ذلك: أن نهي الرسول صلى الله عليه وسلم من نهي الله كما قال الله تعالى: {ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضللا مبينا} [الأحزاب: ٣٦].

وقال الله تعالى: {ومن يطع الرسول فقد أطاع الله} [النساء: ٨٠]. ولما كان الحكم الصادر من النبي صلى الله عليه وسلم كالحكم الصادر من الله صح أن يجمع اسم الله واسم الرسول صلى الله عليه وسلم بالواو.

فإن قال قائل: أين نهانا الله عن ذلك وقد قال الله لنبيه: {قل لا أجد في ما أوحى إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير} [الأنعام: ١٤٥]. المحرمات ثلاثة، والحمر ليست منها فأين نهي الله؟ !

فالجواب أن نقول: إن الآية في سورة الأنعام وسورة الأنعام مكية والحديث في خيبر بعد الهجرة والآية ليس فيها "لن أجد فيما أوحي إلى محرما" لو كان لفظ الآية: "لن أجد" لكان هذا الحديث معارضا، لكن الآية {لا أجد في ما أوحى إلي} ولم يقل: فيما يوحى إلي، فالآية نزلت وفي أيام نزولها لم يكن محرما إلا هذه الأنواع الثلاثة، ولا معارضة بينها وبين الحديث إطلاقا، ولا بينها وبين نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير؛ فالآية واضحة، وفي أدنى تأمل يتبين لك أنه لا حاجة إلى الإتيان بها في معارضة هذا الحديث وأمثاله.

<<  <  ج: ص:  >  >>