فإذا قال قائل: سلمنا بهذا وأنه لا معارضة بينها وبين الحديث، لكن أين نهي الله للرسول؟
نقول: من الذي أخبرنا بأن الله نهى؟ الرسول - عليه الصلاة والسلام- فيجيب علينا أن نؤمن بذلك، وأن نقول: إن الله نهي عن لحوم الحمر الأهلية، أما في أي نص كان ذلك؟ فإنه يكفي أن يكون الراوي لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حاجة أن نتنطع ونقول: أين وأين الوحي وما أشبه ذلك.
فإن قال قائل: ما الجمع بين هذا الحديث: "إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية"، وبين ذم النبي صلى الله عليه وسلم للخطيب الذي قال:"من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى". وهنا قال:"ينهيانكم" فجمعها في ضمير واحد، وهنا قال النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أبا طلحة:"ينهيانكم"، والخطيب قال له:"بئس خطيب القوم أنت" فما الجواب؟
نقول: الجواب من وجوه.
الوجه الأول: أن هناك فرقا بين الصيغتين: صيغة الحديث، وصيغة الخطيب. صيغة الحديث "ينهيانكم" خبر لمبتدأ من اثنين: معطوف ومعطوف عليه، وإذا كان خبرا عن اثنين أحدهما معطوف والثاني معطوف عليه، صار كأنه مركب من اثنين هذا واحد.
أما الخطيب فقد قال:"من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما" هذه جملة مستقلة ليست خبرا عن الجملة الأولى، ولا جوابا لشرط فهي مستقلة، وإذا كانت مستقلة فيجب أن يستقل لفظ الاثنين كل واحد على انفراد، فيقول:"ومن يعص الله ورسوله فقد غوى"، الفرق واضح أم لا؟ "إن الله ورسوله ينهيانكم" الجملة واحدة أو اثنتان؟ واحدة، "وينهيانكم" والتي جمع فيها الضمير خبر ل (إن)، والجملة واحدة وهي خبر لاثنين، كل واحد منهما ذكر على انفراد، فهي جملة واحدة. في عبارة الخطيب "من يطع الله ورسوله فقد رشد" انتهت الجملة، "ومن يعصهما فقد غوى" جاءت جملة جديدة فصارت كأنها منفصلة عن الأولى، فإتيانه بالضمير مجموعا باثنين يعتبر خطأ، وأن الفصاحة أن يقول:"ومن يعص الله ورسوله" فالفرق ظاهر بين الصيغتين.
ثانيا: أن مقام الخطبة ينبغي أن يكون بالتفصيل والبسط، والاختصار الشديد ينافي البيان في الخطبة، وأما هذا فهو بيان حكم، وبيان الحكم قد يكون من الفصاحة أن يختصره.
الجواب الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم يبعد في حقه وفي نطقه أن يجعل الله شريكا، وأما المخلوق فإذا جمع اسم الله واسم غيره في الواو فقد يعتقد أنهما سواء، ولكن هذا الجواب ضعيف؛ لأن الخطيب جمع بينهما بالواو، فهذا لا يعول عليه.
والرابع: أنه قيل: إن الخطيب ينبغي أن تكون خطبته واحدة، فإذا قال:"من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى" قد يتوهم السامع أن الغي لا يكون بمعصية الله