ورسوله؛ أي: إلا فيما ورد فيه نهي في الكتاب والسنة وهذا غلط، لكن عندي أن أقرب الأجولة الأول، وهو اختلاف الصيغتين، ويليه الثاني أن مقام الخطبة ينبغي فيه البسط.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الأصل في النهي التحريم لقوله: "ينهيانكم"، ثم علل ذلك بأنها رجس، والرجس محرم.
ومن فوائد هذا الحديث: أن اللحم إذا أطلق يشمل جميع أجزاء البدن؛ لأنه بالاتفاق والإجماع أن الحمير حرام، سواء كانت لحما أي: هبرا كما يعرف، أو كبدا أو كرشا أو أمعاء كلها تسمى لحما في الشرع.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز لحوم الحمر الوحشية. من أين تؤخذ؟ تؤخذ من القيد، وهل التحريم من أجل أن الناس محتاجون لظهورها يركبونها ويحملون عليها، فإذا أبيحت ضاقت على الناس، أو أن التحريم من أجل أنها خبيثة؟ الثاني؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص عليه؛ ولأن العلة الأولى منتقصة. الناس إلى ظهور الإبل أحوج، ومع ذلك فالإبل مباحة، الناس إلى البقر في الحرث أشد حاجة من الحمر ومع ذلك فهي مباحة، فالصواب ما علل به الرسول - عليه الصلاة والسلام-، وأما الخوف أن يضيق على الناس ظهورهم فهذا غير صحيح.
ومن فوائد هذا الحديث: أن كل رجس حرام؛ لأنها رجس وهذا كالآية الكريمة:{قل لا أجد في ما أوحى على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس}[الأنعام: ١٤٥]. إذن نأخذ - يا إخواني- من هذا أن كل نجس حرام.
ومن فوائد هذا الحديث: أن جميع أجزاء الحمر نجسة: بولها، ورثها، ريقها، عرقا ما يخرج من جسدها من صديد أو غيرها لعموم قوله:"فإنها رجس"، وهذا هو المشهور من المذهب - مذهب الحنابلة- حتى لو شرب الحمار من ماء وهو قليل الماء نجسا، وإن لم يتغير، ولكن يعارض هذا - أي: القول بأن كل ما يتصل بالحمير فإنه نجس- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الهرة:"إنها ليست بنجس"، وعلل بأنها من الطوافين، ومعلوم أن تطواف الحمير على الناس أكثر من تطواف الهرة، والعلة ثابتة في الهرة وموجبة للتطهير، كذلك العلة في الحمر، وهذا القول هو الصحيح، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يركبون الحمير وراكب الحمار لا يخلو من بلل إما من عرق منه، أو من الحمار، أو إصابة ماء السماء، ثم إن الحمر تشرب وتنفض رأسها بعد الشرب ويتطاير الماء على من حولها، وهذا لا شك أن فيه مشقة لاسيما على من يمارسه كثيرا والدين لا يأتي بمشقة، وهذا القول هو القول الراجح يعني: أن ريقها وما يخرج من أنفها وما يخرج من عينها من دمع وعرقها كله طاهر؛ لأن هذه الحمر من الطوافين علينا، وقد قال النبي - عليه الصلاة والسلام- في الهرة: إنها من الطوافين علينا.