يقول:"فصلى فقام قيامًا طويلًا نحوًا من قراءة سورة البقرة"، "سورة البقرة" كم جزءًا؟ جزآن ونصف تقريبًا، وقراءة الرسول- عليه الصلاة والسلام- المعروف أنه يرتلها، كم تستوعب من ساعة؟ ممكن أن تستغرق ساعتين ونصفًا تقريبًا هذا في القيام الأول فقط، يقول:"ثم ركع ركوعًا طويلًا" قريبًا من قيامه إلى قوله: "دون القيام الأول" وهذا من الحكمة؛ لأن الناس بعد القيام الأول الطويل حصل لهم شيء من التعب فخفف القيام الثاني، يقول:"ثم ركع ركوعًا طويلًا دون الركوع الأول" والعلة فيه ما ذكرنا، "ثم سد ثم قام قيامًا طويلًا" هنا لم يذكر إلا سجودًا واحدًا ولم يذكر أنه طويل، لكن قد جاء في الأحاديث الأخر بأنه سجد سجودًا طويلًا نحوًا من ركوعه، وهذا هو المعروف من صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم كما ذكر البراء من عازب أن قيامه بعد الركوع، وركوعه، وسجوده، وجلسته بين السجدتين، أنه قريب من السواء.
يقول:"ثم قام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأول" أي الأول: الأول من الركعة الأولى، أو الأول الذي قبله؟ الظاهر أنه الأول الذي قبله؛ لأنك لو قلت: دون القيام الأول الذي في الركعة الأولى؛ صار القيام الأول في الركعة الثانية مساويًا للقيام الثاني في الركعة الأولى، فالظاهر خلافه.
يقول:"ثم رفع ... إلخ"، كيف استوعبت هذه الصلاة؟ تقريبًا أربع ساعات أو أكثر؛ لأن كسوف الشمس كان كليًا كما ذكره الصحابة- رضي الله عنهم- أنها صارت كقطعة نحاس أحمر، ومثل هذا قد يستوعب أربع ساعات وهو يصلي صلى الله عليه وسلم والصحابة وهم قائمون، وقد ذكر جابر بن عبد الله أنه كان في يوم حار ولا يوجد مراوح ولا مكيفات، انظر الصبر العظيم على طاعة الله عز وجل، لكن بعضهم كان يسقط مغشيًا عليه، الضعفاء تعبوا من شدة الحر ومع ذلك الرسول- عليه الصلاة والسلام- ما راعى هؤلاء؛ لأنه إذا كانت السنة التطويل فإن الفرد إذا تعب أو الفردان لا يؤثر كما سيأتي في الفوائد إن شاء الله.
قال: وفي رواية لمسلم: "صلى حين كسفت الشمس ثماني ركعات في أربع سجدات" أي: ثماني ركوعات في أربع سجدات، هذا يبين قوله:"ثم سجد" أنه سجد سجودين في كل ركعة ليوافق الأحاديث الأخرى، لكن في مسألة الركوع إذا صلى ثماني ركعات كم كل ركعة من ركوع؟ أربع ركوعات، وهذا أمر لا يمكن؛ لأن حديث عائشة في الصحيحين يدل على أنه صلى أربع ركوعات في كل ركعة ركوعان، وحديث ابن عباس المتفق عليه كم من الركوع فيه؟ أربع ركوعات، ومعلوم أن ما اتفق الشيخان مرجح على ما انفرد به مسلم لا شك فيه، ومن المعلوم أن الكسوف في عهد الرسول- عليه الصلاة والسلام- لم يقع إلا مرة واحدة بالاتفاق، وعلى هذا فيكون المقصود: أربع ركوعات وأربع سجدات، وما عدا ذلك فهو شاذ؛