للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سحابًا أو غيمًا صار يقبل ويدبر ويدخل ويخرج، فتقول له عائشة: يا رسول الله، الناس إذا رأوا ذلك قد يستبشرون، فقال: "يا عائشة، وما يؤمنني أن يكون في ذلك عذاب"، قد عذب قوم عاد بالريح، لما رأوا الريح مقبلة ماذا قالوا؟ {هذا عارض ممطرنا} [الأحقاف: ٢٤]. ما ظنوا أنه ريح تدمرهم فقال الله تعالى: {بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم (٢٤) تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم} [الأحقاف: ٢٤ - ٢٥]. نسأل الله العافية.

فالحاصل: أن كل من بالله أعرف كان منه أخوف؛ لأن الإنسان إذا نظر إلى ذنوبه وإلى تقصيره خاف من الله عز وجل، ولولا أن الإنسان يعتمد على خوف الله عز وجل وسعة رحمته وإحسانه لهلك، لكن يرجو ويخاف، إن نظر إلى عفو ربه وسعة فضله وإحسانه رجع، وإن رأى تقصيره قال: إني خائف، وفي الحقيقة لا تنظر إلى تقصيرك باعتبار زمانك؛ لأنك إن نظرت إلى تقصيرك باعتبار زمانك قد يؤدي بك ذلك إلى أن تعجب بنفسك؛ لأنك قد ترى كل من حولك أقل منك في عبادة الله، لكن انظر إلى تقصيرك بالنسبة إلى من سبقك، انظر إلى حال النبي- عليه الصلاة والسلام- وحال الصحابة، عمر رضي الله عنه، لما سمع القارئ يقرأ} إن عذاب ربك لواقع (٧) ما له دافع} [الطور ٧ - ٨]. مرض حتى صار يعاد من خوفه من الله عز وجل، ونحن تمر على قلوبنا هذه وكأنها قطعة ثلج، فأنت إذا أردت أن تعرف قصورك وتقصيرك فانظر إلى حال من سبقك، أما إذا نظرت إلى حال زمانك فقد يحملك ذلك أن تقول: أنا من أولياء الله، وهذا غلط؛ لأن الكل عباد الله الذين فيما سلف والذين في وقتنا هذا، كلهم عباد الله، يجب أن يتعبدوا لله عز وجل بما شرع، ونحن إذا ظرنا إلى حال الصحابة والتابعين وجدنا أن بيننا وبينهم كما بين الثرى والثريا، وعرفنا تقصيرنا تمامًا، المهم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخاف وكان يفعل هكذا.

وقال: "اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابًا"، تكون الريح رحمة؟ نعم، ما الدليل؟ {وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته} [الأعراف: ٥٧]. وتكون عذابًا: {وفي عادٍ إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم} [الذاريات: ٤١]، {وأما عاد فأهلكوا بريحٍ صرصرٍ عاتيةٍ} [الحاقة: ٦]. ريح لها صوت باردة والعياذ بالله عاتية قوية {سخرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ حسومًا} [الحاقة: ٧]. متتابعة قاطعة والعياذ بالله، والعذاب يأتي صباحًا: {فأتبعوهم مشرقين} [الشعراء: ٦٠]: آل فرعون، ولوط أهلكوا قومه صباحًا قال تعالى: {أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين} [الحجر: ٦٦]. {إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب} [هود: ٨١]. لأن الإنسان إذا أصبح وأمن العقوبة بالليل قال: راح كل شيء، فيأتيه العذاب في الوقت الذي يكون فيه آمنا من الوقت الآخر الناس يخافون العذاب والسطو بالليل فإذا أصبحوا أمنوا فيأتيهم العذاب في الوقت الذي يكونون فيه آمن ما يكون، نسأل الله العافية.

والحاصل: أن الله عز وجل أرسل هذه الريح على عاد فدمرتهم، لأن عادًا ماذا كانوا يقولون:

<<  <  ج: ص:  >  >>