"الرحمن الرحيم" يعني: ذو الرحمة الواسعة الواصلة، الرحمة الواسعة من الرحمن، والواصلة من الرحيم، وكلاهما يدل على الرحمة، وفي ذكر هذين الاسمين الكريمين بعد قوله:"رب العالمين" إشارة إلى أن هذه الربوبية مبنية على الرحمة، ولهذا قال:"الرحمن الرحيم"، ثم قال:"مالك يوم الدين" مالك وملك قراءتان سبعيتان، فهو سبحانه ملك ومالك، وهاتان القراءتان- كما مر- كل واحدة منهما تفيد معنى لا تفيده القراءة الأخرى، فيتركب من مجموعهما معنى كامل وهو أنه- سبحانه وتعالى- ملك ومالك، ذلك لأن المالك قد يكون مالكًا، وليس بملك، وهذا كثير الإنسان يملك بيته وسيادته ويملك ثوبه، وليس بملك، وقد يكون ملكًا وليس بمالك في الحقيقة هو ملك مدبر، يقوم بالتدبير لغيره، فيكون اسمه ملك ولكن حقيقته أنه ليس بمالك لأنه مدبر، أما الرب عز وجل فإنه ملك مالك، و"يوم الدين" هذا يوم الجزاء وهو يوم القيامة.
الرسول- عليه الصلاة والسلام- بدأ بهذه الآيات الثلاث التي في سورة الفاتحة، ثم قال:"لا إله إلا الله يفعل ما يريد"، قوله:"لا إله إلا الله" مر علينا معناها وإعرابها في عدة جلسات، وقلنا: إن إعرابها أن: "لا" نافية للجنس، وأن نفي الجنس نص في العموم، لأنها تنفي كل جنس، فإذا قلت:"لا رجل في البيت" معناه: لا يوجد أي رجل ولا رجال، لأنها تنفي ذلك الجنس، فهي أعم ما يكون من النفي، ولهذا قالوا:"إن "لا" النافية للجنس نافية للعموم، وأما "إله" فهي اسمها مركب معها مبني على الفتح في محل نصب، وخبرها محذوف تقديره: "حق"، فيكون المعنى: لا إله حق إلا الله، وأما "إلا" فهي أداة استثناء "والله" بدل من الخبر المحذوف، وعلى هذا يكون إعرابها كما سمعتم، أما معناها فالمعنى أنه لا معبود حق إلا الله- سبحانه وتعالى-، وأما المعبود على وجه باطل فكثير.
ثم قال: "يفعل ما يريد" هل شرعًا أو كونًا؟ إن أريد بالفعل ما فعله بنفسه فهو يفعل ما يريد شرعًا وكونًا؛ وإن أريد بالفعل فعل غيره فالمراد: الإرادة الكونية، وإن ما أرده شرعًا قد لا يفعله الغير.
ثم قال: "اللهم أنت الله لا إله إلا أنت" "اللهم" يعني: يا الله، حذفت منها ياء النداء، وعوض عنها الميم وأخرت الميم للبداءة باسم الله، وصارت الميم لأنه أدل على الجمع، كأن الإنسان جمع قلبه على ربه حينما ناداه بهذا: "اللهم أنت الله لا إله إلا أنت"، "أنت الله" جملة خبرية وهي مفيدة للحصر؛ لأن طرفيها معرفتان، وقوله: "لا إله إلا أنت" كل هذا من باب التأكيد.
"أنت الغني" أي: عن كل أحد، فهو- سبحانه وتعالى- غني بذاته عن كل المخلوقات.
فإن قلت: أليس الله قد استوى على العرش، ومعنى هذا أنه محتاج أن يستوي على العرش.