للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالجواب: أبدًا، هو مستوٍ عليه لكنه ليس محتاجًا إليه، بل العرش وغيره محتاج إلى الله- سبحانه وتعالى-.

وقوله: "أنت الغني ونحن الفقراء" توسل بغنى الله وفقرنا إلى مطلوبنا، "ونحن الفقراء" يقوله الإنسان ولو كان غنيًا؟ نعم، أليس في هذا جحد لنعمة الله؟ الجواب: لا؛ لأن المراد: الفقراء، يعني: إليك كما قال الله تعالى: {يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} [فاطر: ١٥].

"أنزل علينا الغيث" "أنزل" فعل دعاء، وإنما قال: "أنزل"؛ لأن الغيث يأتي من السماء، وقال: "الغيث" ولم يقل: المطر، لأنه- كما تقدم قبل قليل- قد ينزل المطر ولا يكون به الغيث، والغيث والغوث بمعنى: إزالة الشدة.

"واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغًا إلى حين" قوة في ماذا؟ على طاعته، أي: في أبداننا وفي بهائمنا، لأن الغذاء يقوي البدن، فيكون قوة في أبداننا وفي بهائمنا، ويكون ذلك سببا لنا لطاعة الله- سبحانه وتعالى-، "وبلاغًا" ما معناها؟ تقدم لنا في حديث الثلاثة أن البلاغ ما يبلغ به الإنسان حاجته، فالمعنى: بلاغًا نبلغ به حوائجنا، وما نريد من النبات والماء؛ لأن الناس في حاجة إلى هذا الماء لأجل النبات ولأجل الشرب، فإن الماء الذي نشربه هو الماء الذي ينزل من السماء كما قال تعالى: {أفرأيتم الماء الذي تشربون (٦٨) أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون (٦٩)} [الواقعة: ٦٨ - ٦٩].

يقول: "واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغًا إلى حين، ثم رفع يديه فلم يزل حتى رئي بياض إبطيه" رفع يديه مبالغة في الدعاء، لكنه بالغ حتى رئي بياض إبطيه، هذه دائما ترد علينا، فما معناها؟ لأن الإبط باطن لا يتعرض للشمس ولا للهواء فيكون أبيض، وليس المعنى: أن الرسول- عليه الصلاة والسلام- فيه شيء من البياض غير العادي.

قالت: "ثم حول إلى الناس ظهره"، وإذا حول إلى الناس ظهره لزم أن يكون مستقبل القبلة، وقالت: "قلب رداءه وهو رافع يديه" يعني: استمر- عليه الصلاة والسلام- رافعًا يديه بعد قلب الرداء، "ثم أقبل على الناس ونزل وصلى ركعتين، فأنشأ الله سحبة فرعدت وبرقت ثم أمطرت" هذا نوع من أنواع الاستسقاء.

ونأخذ من هذا الحديث عدة فوائد: أولًا: أنه يجوز للإنسان أن يشكو إلى أهل الصلاح ما نزل في ديارهم من القحط والجدب ليدعو الله عز وجل بالغيث، من أين يؤخذ؟ من شكاية الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا يرد عليه ما قاله الشاعر: [الكامل]

وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما ... تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم

<<  <  ج: ص:  >  >>