للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرخصة هي السهولة؛ لزم أن يشمل ذلك جميع الدين؛ لأن كل يسر وسهولة، ولكننا ننفصل عن هذا الإيراد ونقول: إنه من السهولة فيما ثبت فيه الإيجاب أو التحريم، فمثلًا هذا الحكم واجب ثم نقول لهذا الرجل لا يجب عليك لسبب وهذا الحكم محرم، ونقول لهذا الرجل: لا يحرم عليك لسبب هذه الرخصة، فالتسهيل إذن يكون لسبب، بمعنى: أننا نخرج بعض الناس من الإيجاب أو من التحريم لسبب هذا هو الرخصة.

قال: ((لعبد الرحمن بن عوف والزبير في قميص الحرير) القميص: هو الثوب ذو الأكمام، وقوله: ((في سفر)) هل هذا بيان للواقع أو قيد؟ بيان للواقع، فهو إذن ليس بقيد، قوله: ((من حكة كانت بهما)) ((من)) سببية فتكون دالة على العلة، و ((الحكة)) معروفة هي: ما يصيب البدن، مما يسمى في الوقت الحاضر ((حساسية)). وقوله: ((في قميص الحرير في سفر)) قميص الحرير يعني: قميص من الحرير، فالإضافة هنا على تقدير ((من))، وقد سبق أن الإضافة تكون على تقدير ((من، واللام، وفي))، فإذا كان المضاف إليه ظرفًا للمضاف فهذا على تقدير ((في)) كقوله تعالى: {بل مكر الَّيل والنَّهار إذ تأمروننا أن نَّكفر بالله} [سبأ: ٣٣]. مكر الليل، يعني: مكر في الليل، وإذا كان المضاف إليه جنسًا للمضاف فالإضافة على تقدير ((من) كما تقول: ((خاتم حديد)) و ((ثوب حرير)) وما أشبهها، أي: خاتم من حديد، وثوب من حرير، والحرير تقدم لنا أنه نسج دود القز، أما ما عدا ذلك فالإضافة على تقدير اللام وهي كثيرة جدًا.

يقول: ((في سفر من حكة)) ((من)) هنا للتعليل؛ أي: بسبب حكة، والحكة هي ما يعرف عندنا الآن بالحساسية ((كانت بهما))، وإنَّما رخص في ثوب الحرير من الحكة؛ لأن الحرير فيه خاصية حيث إنه فيه تبريد هذه الحكة، بل فيه شفاء هذه الحكة، ولهذا رخَّص النبي صلى الله عليه وسلم لهما في استعمال هذا الحرير.

فيستفاد من هذا الحديث عدة فوائد: أولًا: أن تحريم الحرير ليس لخبثه؛ لأنه لو كان لخبثه ما كان فيه فائدة ولا شفاء؛ لأن الشفاء لا يمكن أن يكون فيما حرم الله صلى الله عليه وسلم ولذلك لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستشفاء بالخمر وأنها تتخذ دواء قال: ((إنها داء وليست بدواء)). لأنها محرَّمة لخبثها، وما حرَّم لخبثه كيف يكون مفيدًا، لكن الحرير إنما حرِّم لما فيه من النعومة التي لا تليق بالرجل، ولهذا جاز للمرأة، ولو كان التحريم لخبث هذا النوع من اللباس لكان هذا شاملًا للرجال والنساء، وبهذا يندفع الإشكال الذي قد يستشكله البعض، حيث يقول: كيف كان الشفاء في شيء محرم والله تعالى لم يجعل شفاء هذه الأمة فيما حرمه عليها؟ فنقول: إن التحريم هنا ليس بمعنى يتعلق بذات الحرير، ولكن لمعنى خارجي، ما هو المعنى

<<  <  ج: ص:  >  >>