للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففهم منه أنه يريد أن يلبسها فقال: ((كساني))، وهذا اللفظ متعين يجب أن نفهمه؛ لأننا لو أخذنا هذا الحديث على ظاهر اللفظ الذي معنا لكان هناك تناقض؛ إذ كيف يكسوه الرسول- عليه الصلاة والسلام- ثم يغضب، ولكن الروايات الأخرى تبين ذلك، بعث إليه بهذه الحلة فظن أنه يريد أن يلبسها فلبسها، وعبر عن ذلك في قوله: ((كساني)) بناء على ظنه، وأيضًا لما رآه الرسول قال له: ((إنَّما بعثت بها لتكسوها الفواطم)) يعني: لتعطيها نشاءك، ولهذا فعل رضي الله عنه فشق هذا لنسائه.

يستفاد من هذا الحديث عدة فوائد: الفائدة الأولى: جواز إهداء الشيء المحرم على المهدى إليه إذا كان يحل لغيره؛ وجهه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أهداه عليًا، وهو حرام على الرجال لكنه حلال للنساء، فعلى هذا لو أهديت لشخص خاتمًا من ذهب- وهو رجل- يجوز ذلك، ولكن يجعله لنسائه، إلا إذا علمت أنك إذا أهديت له هذا المحرم ربما يستعمله هو، فإذا خشيت ذلك صار حرامًا؛ لماذا؟ من باب سد الذرائع، والقاعدة المعروفة في أصول الفقه: أن للوسائل أحكام المقاصد، وهناك عبارة أخرى يقولون: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، أي العبارتين أحسن؟ أن للوسائل أحكام المقاصد؛ لأنك إذا قلت: للوسائل أحكام المقاصد صار وسيلة الواجب واجبة، فتكون بمعنى: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وصارت وسيلة المحرم محرمة لا تدخل في قولك: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب إلا عن طريق العكس، مثل أن تقول: المحرم يجب اجتنابه وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

الخلاصة أن نقول: يجوز أن تهدي شخصًا شيئًا محرمًا عليه إلا إذا خشيت أن يستعمله في الحرام فلا يجوز.

ويستفاد من هذا الحديث: استحباب الغضب إذا انتهكت محارم الله، من أين يؤخذ؟ من قوله: ((فرأيت الغضب في وجهه)).

ويستفاد منه أن عليًا رضي الله عنه ليس بمعصوم، أنه أخطأ في لبس هذا الحرير، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم غضب عليه، فإذا كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه غير معصوم وهو إمام الأئمة عند من يثبتون الأئمة فمن دونه من باب أولى.

ويستفاد من هذا الحديث: أن الغضب ليس صفة ذم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم غضب.

ويستفاد منه: أن معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا تغضب)). ليس معناه: أنه لا يعتريك الغضب، لماذا؟ لأن الرسول نفسه يغضب، فكيف ينهي عن شيء يكون فيه هو، لكن معنى ((لا تغضب)) يعني: لا تفعل فعلًا تذم عليه يكون سببه الغضب، أو أن المعنى: لا تغضب: لا تتعرض لما يغضبك، وأما الغضب الطبيعي فهذا لا يمكن النهي عنه.

ويستفاد من الحديث: جواز تمزيق الثوب لجهة أخرى ينتفع به فيها؛ لأنه شق هذه الحلة

<<  <  ج: ص:  >  >>