ويستفاد من هذا الحديث: أدب النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه لقوله: ((أحل)) و ((حرِّم))، وإنما قال ذلك دون أن ينسبه إلى نفسه، لأننا إذا علمنا أنه من عند الله عز وجل صار اجتنابنا لما حرم علينا منه أوكد وأعظم وإن كان من يطع الرسول فقد أطاع الله لكن هذا أوكد وأبلغ.
ويستفاد من هذا الحديث: جواز لبس الحرير والذهب للنساء ولو كثر، لكنه كغيره من النصوص المطلقة، فالأكل والشرب حلال لكن إذا وصل إلى حد الإسراف صار حرامًا، كذلك الذهب والحرير إذا وصل إلى حد الإسراف صار حرامًا، وما ميزان الإسراف؟ ميزانه: أن يتجاوز الإنسان بفعله ما كان معروفًا عند الناس، فلو أن امرأة من التاجرات وذوات الهيئات الكبيرة لبست شيئًا كثيرًا من الذهب وجاءت امرأة صغيرة فقيرة وقالت: أرد أن ألبس مثلها ماذا نقول، هل نمنعها أو نقول: يجوز لك ذلك؟ إن منعناها احتجت علينا وقالت: الفقير ليس له قيمة عندكم حتى في هذه الأمور، وكما قال أحد الناس لما وصفوا له ديكًا صغيرًا يذبحه ويجعل في مرقه دواء؛ لأنه مريض لم يكن منه إلا أن قال: أحضروا الديك هذا الذي وصفتم لي وأمسك به وقال: استصغروك فوصفوك فهلا وصفوا شبل الأسد. لكن المعري إذا لم يكن قد تاب مما هو عليه فهو زنديق؛ لأنه ينكر حل اللحم ولا يأكل من اللحم شيئًا، المهم أن هذه المرأة فقيرة قلنا لها: حرام عليك تلبسين هذا اللباس من الذهب وعند جارتها من ذوات الهيئات والغني تلبس هذا وقلنا لجارتها في المنزل حلال ولها حرام أما تحتج علينا؟ نعم، لكن نقول: إن الله عز وجل جعل للباس المحلل والطعام المحلل، والشراب المحلل قاعدة، قال الفقهاء- رحمهم الله-: ويباح للنساء من الذهب والفضة ما جرت عادتهن يلبسه.
وقوله:((أحل الذهب والحرير)) هل يشمل الذهب الذي صنع على صورة حيوان؟ ظاهر الحديث أنه يشمله وأن الذهب لو كان على شكل حيوان كثعبان وفراشة وسمكة فإنه جائز، ولكننا نقول كما قلنا في القاعدة السابقة: الشريعة من مشرع واحد، فيحمل مطلق كلامه على مقيده، وعمومه على مخصصه، وعلى هذا فنقول: قد رددت أحاديث كثيرة في تحريم الصور ولا سيما المجسمات، وعلى هذا فلا يجوز أن تتخذ المرأة سوارًا على شكل ثعبان أو أن تتخذ قلادة على شكل فراشة أو سمكة أو ما أشبه ذلك، ظاهر الحديث: انه لا فرق بين أن يكون الذهب محلقًا أو مرصَّعًا، ما وجهه؟ العموم:((أحل الذهب)) وهو عام يشمل المرصَّع والمحلق.
وعلى هذا فنقول: إن الحديث يدل على إباحة الذهب مطلقًا ولو كان محلقًا، ولكن بعض أهل العلم ذهب إلى تحريم المحلَّق مستدلين بأحاديث- إن شاء الله- يأتي الكلام عليها.