وهل يستفاد منه جواز تمني الموت لغير الضر. لا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قيَّد، ولكن هذا القيد أغلبي، وقال أهل الأصول: القيد الأغلب ليس له مفهوم، وضربوا لذلك أمثلة منها:{وربائبكم الَّتي في حجوركم من نسآءكم الَّتي دخلتم بهنَّ}[النساء: ٢٣]. من الربائب؟ بنات الزوجات، لكن قال:{الَّتي في حجوركم} يعني: عندكم في بيوتكم من {نسآءكم الَّتي دخلتم بهنَّ}، لو أخذنا بظاهر هذا القيد لكانت الربيبة التي لبست في بيت زوج أمها حلالًا، والصحيح أن الأمر ليس كذلك، بدليل أن الله عز وجل ذكر مفهوم القيد الثاني دون الأول حيث قال:{فإن لَّم تكونوا دخلتم بهنَّ فلا جناح عليكم}؛ إذن فالقيد هذا أغلبي لا مفهوم له، ومثلوا لذلك أيضًا بقوله- تبارك وتعالى-: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغآء إن أردن تحصُّنًا}[النور: ٢٣]. فإن أردن غير التحصن مثل أن قالت: لا أريد البغاء لأن هذا الرجل الذي أحضرتموه رجل ذميم كريه المنظر، أحضروا رجلًا جميلًا، وأقول: أهلًا وسهلًا، هذه أرادت التحصن؟ لا، أبت البغاء لقبح الرجل لا للتحصن، فهل نقول: إذا أبت البغاء لقبح الرجل يجبرها؟ لا، الله يقول:{إن أردن تحصُّنًا} فيقول: لأن هذا القيد أغلبي.
إذن قول النبي صلى الله عليه وسلم هنا:((لضر نزل به)) بناء على الأغلب؛ لأن الإنسان الذي لم يأته ضرر ما أحد يتمنى الموت.
ويستفاد من هذا الحديث: وجوب الصبر على الأضرار النازلة بالإنسان، من أين يؤخذ؟ من النهي عن تمني الموت لأجل الضرر؛ يعني: معناها اصبر.
ويستفاد من هذا الحديث: أن الإنسان إذا كان لابد متمنيًا- وهي حالة نادرة- فليقل ما ذكر.
ويستفاد منه: أن الإنسان لا يعلم الغيب، من أين تؤخذ؟ من التفويض:((اللهم أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي)) لأنني ما أعلم.
ويستفاد منه: ثبوت علم الله عز وجل بالمستقبل ((ما علمت الحياة)) و ((ما علمت الوفاة خيرًا لي)).
ويستفاد منه: أن الموت قد يكون خيرًا للإنسان كما أن الحياة قد تكون خيرًا له، لقوله:((ما كانت الوفاة خيرًا لي)) وهذا لا شك أن الوفاة قد تكون خيرًا للإنسان، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الرجل يأتي في آخر الزمان إلى القبر: فيقول يا ليتني مكان صاحب هذا القبر؛ لما يرى من الفتن العظيمة التي قد تحول بينه وبين السعادة الأبدية.
فإن قلت: ما الجمع بين هذا الحديث، وقول مريم- عليها الصلاة والسلام- أو نقول: مريم رضي الله عنها؟ الأخير، [قالت]: {يا ليتني متُّ قبل هذا وكنت نسيًا مَّنسيًا}[مريم: ٢٣]. وكذلك ما جاء