ليت الناس بقوا على هذا الأمر، ولكنهم صاروا إلى التورط في التورق، ماذا يصنعون الآن؟ يقول: أنا أبيع عشرة آلاف دينًا يقول له: ما يخالف العشرة خمسة عشرة، يقول له: نزِّل العشرة بأربعة عشرة، نزِّل بثلاثة عشرة، نزِّل بعشرة، فهو يبيع ويشتري دراهم بدراهم، وبعدما يتفقون يذهبون إلى صاحب المحل ويشتري السلعة، وإذا كانت أكياسًا قدرنا أنها عشرة أكياس من الرز، كيف يقبضها؟ يمر يده عليها يقول: هذا قبض، ثم يقول: بعتها عليك باثنى عشر ألفًا إلى سنة، فإذا قال: هكذا قال: حسنًا، فيقول: أخرجها من المكان، يقول: هذا تكلفني وإن بعتها في السوق نزلت أكثر، أبيعها على من؟ على صاحب الدكان، أقول له: الآن اشتراها منك صاحبي بعشرة آلاف ريال، وأنا أنزلك بتسعة آلاف وخمسمائة، فيقول: نعم، فيعطيه المبلغ. فيكون هذا الفقير أكلته السباع من وجهين: الوجه الأول: هو البائع، والبائع على البائع الأول، هذا كسب عليه ألفين وهذا كسب عليه خمسمائة.
هذه المسألة- مسألة التّورّق- صارت تورطًا، وصارت حيلة ظاهرة، ومن العجب أن هؤلاء الذين يصفون هذا يأتون إليهم يمسحون كما يقال- دموع التماسيح، يقول: انظروا البنوك تحارب الله ورسوله يعطونك مائة بمائة وعشرين: {فإن لَّم تفعلوا فأذنوا بحربٍ من الله ورسوله}[البقرة: ٢٧٩]. يقولون: شددوا على هؤلاء، افعلوا، اتركوا، وهم يتورطون، يعني: هم فعلوا فعل البنوك وأخبث؛ لأنهم خانوا وخادعوا الله ورسوله وخادعوا المؤمنين، هؤلاء البنوك نقول: نعم، هم وقعوا في الربا صراحة، وهم يقرون على أنفسهم بالذنب، لكن هؤلاء يقولون: هذا فعلنا حلال ولذلك يسمونه التصحيح، يقولون: نصحح عليك، وهو في الحقيقة ليس تصحيحًا، ولكنه تقبيح، هذا هو الواقع، نحن الآن بلينا بهؤلاء المخادعين وهؤلاء المصرِّحين، بلينا بالبنوك ورباها الصريح- والعياذ بالله- إعلان حرب على رب العالمين، وكذلك بلينا بهؤلاء الذين سلكوا طريق المنافقين فأظهروا أنهم على صواب وهم على خطأ.
وأسألكم الآن أيهما أعظم: هذه الحيلة أم حيلة اليهود لما حرمت عليهم الشحوم فأذابوها وباعوها، وأكلوا ثمنها، أيهم أقرب إلى فعل المحرم؟ الأخير هو الأقرب لا شك؛ لأن أولئك ما أكلوا الشحوم، ولا باعوا الشحوم ذوبوا الشحوم إلى ودك ودهن ثم باعوها وأكلوا الثمن، ومع ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم:((قاتل الله اليهود)).
ما هو الدَّين شرعًا؟ كا ما ثبت في ذمة الإنسان من ثمن مبيع أو أجرة أو قرض أو صداق أو خلع أو غير ذلك، إذا مات إنسان فإن نفسه معلقة بدينه؛ أنها لا تنبسط ولا تفرح بما لها من النعيم حتى يقضى الدين.
يستفاد من هذا الحديث إثبابت عذاب القبر؛ لأنه لا شك أن تعليق النفس ومنعها من السرور والفرح والانبساط نوع من العذاب.