ويستفاد منه: أهمية قضاء الدين في حال الحياة، وجه ذلك: أنه إذا مات الإنسان علقت نفسه، وكثير من الورثة ظلمة- والعياذ بالله- تجده يرث الأموال الكثيرة من هذا الميت ويتباطأ في قضاء دينه، يقول مثلًا: أنا ورثت منه أراضي أنتظر حتى تزيد الأراضي ثم نبيع ونأخذ الدين، وهذا محرم؛ ولهذا قال العلماء: يجب على الورثة الإسراع في قضاء الدين وجوبًا، والله عز وجل جعل حق الورثة لا يرد إلا بعد قضاء الدين، قال:{من بعد وصيَّة يوصى بها أو دينٍ}[النساء: ١١]. فهم ليس لهم حق في أن يأخذوا شيئًا من الميراث إلا بعد قضاء الدين.
ويستفاد من هذا الحديث: عظم الدين وأنه مهم جدًا ويدل لذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي على من عليه دين لا وفاء له، ويدل لذلك أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الشهادة في سبيل الله تكفر كل شيء إلا الدّين وهذا يدل على أهميته.
وقوله:((دين)) يشمل دين الله ودين الآدمي، دين الله: مثل لو كان على الإنسان كفارة عتق رقبة فهذا دين، أو إطعام ستين مسكينًا مثلًا فهذا دين، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:((دين الله أحق بالوفاء)). فأثبت أن الله- سبحانه وتعالى- دينًا.
فإن قلت: هل يشمل ذلك الزكاة؟
نقول: إن كان الميت قد ترك إخراج الزكاة لا يريد إخراجها أبدًا فإن هذا لا يجزئ أن نخرج عنه ولا يلزمنا أن نخرج عنه؛ لأن الرجل قد عزم على ألا يخرجها، وأما إذا كان الرجل عنده تكاسل في الإخراج فقط فيقول: اليوم أخرج، غدًا أخرج، وما أشبه ذلك، فإن هذا يخرج عنه، وقد ذكر ذلك ابن القيم في كتاب ((تهذيب السنن))، على أن الإنسان الذي يترك الزكاة ما نوى إخراجها وهو مقر بوجوبها لكن لا يخرجها عصيانًا، فإنه في هذه الحال لا تخرج عنه بعد موته، وأما إذا كان تهاونًا بأن يقول: اليوم أو غدًا ولكنه أتاه الأجل فإنها تخرج عنه.
إذا قلت: كيف يصح هذا الحديث وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم وعليه دينٌ، فهل الرسول صلى الله عليه وسلم معلقة نفسه بدينه حتى يقضى عنه أم ماذا؟
الجواب أن يقال: إن النبي قد رهن درعه عند هذا اليهودي فقد أمن الدّين؛ ولهذا إذا أمّن الدين صلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم كما فعل حين تحمل أبو قتادة الدين الذي على رجل من الأنصار هذا هو الجواب، وبعض العلماء أعلَّ هذا الحديث بالحديث الذي أشرت إليه.