للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: ((أحد)) فنسبه إلى المكان وهو الجبل المشهور، وكانت الوقعة في شوال في السنة الثالثة من الهجرة، بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش الذين قدموا للأخذ بالثأر من الرسول صلى الله عليه وسلم حين قتل زعماءهم في بدر، والقصة مشهورة، كانت الهزيمة في أول النهار على المشركين لكن حصل شيء من المعصية في توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الجند والتنازع، أشار الله إليه بقوله: {حتَّى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم مّن بعد ما أراكم مَّا تحبُّون} [آل عمران: ١٥٢]. أين الجواب إذا؟ من بلاغة القرآن أنه لم يذكر الجواب لأجل أن يذهب الذهن في تقديره كل مذهب، فممكن أن نقدر: وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون فحصل لكم ما تكرهون، أو فحلت بكم العقوبة أو ما أشبه ذلك.

وقوله: ((يجمعهم في ثوب واحد)) هل المعنى: أنه يشق الثوب بين الاثنين، فيكفن هذا في بعضه وهذا في بعضه لئلا تمس بشرة كل إنسان بشرة الآخر، أو المعنى: أنه يجمعهم في ثوب واحد ملتصقين؟ أما الأول فهو أقرب، وأما الثاني فهو أقرب إلى ظاهر الحديث، ولكن على التقديرين ففيه إشكال عظيم نرجو الله أن ييسر حلَّه ذلك الإشكال: أن المعروف أن الرسول صلى الله عليه وسلم دفن أهل أحد في دمائهم وثيابهم، ومن المعلوم أن كل واحد منهم عليه ثوب فكيف يحتجون إلى أن يجمع الرجلان في ثوب واحد وكل واحد معه ثيابه؟ الجواب على ذلك أن يقال: إن الثياب ليست ضافية بحيث تشمل الجسم كله؛ لأن الرأس في الغالب يكون بارزًا وعليه البيضة التي تقي من السلاح، والقدمان أيضًا في الغالب تكونا مكشوفتين؛ لأن المعروف من الصحابة- رضي الله عنهم- أنهم انتهوا عما نهى عنه الرسول من تنزيل الإزار إلى أسفل الكعبين، وإذا كان كذلك فلابد أن يكمل الكفن من ثياب أخرى، وهذا يرجح الاحتمال الأول بأنه يأخذ من هذا ليكمل بهذا وتتم المسألة، ويمكن أيقال: عن أعلى الجسم من الرجلين يفصل الرسول صلى الله عليه وسلم بينها بالخرقة، وأما الرجلان فقد يضم بعضهما، والمسألة ما زالت عندي مشكلة حتى مع هذا الاحتمال.

ثم يقول: ((أيهم كان أكثر أخذًا للقرآن)) ((أخذًا)) ما الذي نصبها؟ تمييز لأكثر.

وقوله: ((أيهم أكثر أخذًا للقرآن)) فيه إشكال؛ لأن قوله: ((يجمع بين الرجلين)) يقتضي أن يكون أيهما أكثر، ((وأيهم)) جمع، والحديث بين الرجلين، فيقال: إن في هذا إشارة إلى رواية أخرى: ((يجمع بين الرجلين والثلاثة)). أو يقال: إنه شاهد لما قبل من أقل الجمع اثنان.

وقوله: ((فيقدمه في اللحد يجعله مقدمًا على صاحبه))، كيف يقدمه في اللحد وهم في ثوب واحد؟ هذا الثوب الواحد إذا قدرنا أنه قد طوي عليهما معًا ينظر الأكثر للقرآن فيقدم في الكفن إذا وضع في القبر، وربما نقول: فيقدمه في اللحد، إن هذا يدل على أن قوله: ((يجمع الرجلين في

<<  <  ج: ص:  >  >>