يكون هناك حكمة أوجبت التفريق في الحكم، وحينئذ نقتنع ولا يخفى على كثير منكم "أن امرأة سألت عائشة رضي الله عنها ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة"، وجعلت ذلك هو الحكمة وهو كذلك، لكن بعض العلماء - رحمهم الله- التمس لذلك علة وبعض العلماء قال: لا نعلم، فهو أمر تعبدي جاءت به السنة، فعلينا ألا نسأل بل نطبق.
ومن الفروق التي ذكرها من فرق أو من ذكر حكمة التفريق نقول: إن الغذاء الذي هو اللبن لطيف خفيف ليس له ثقل كالطعام؛ يعني: ليس له جرم يظهر بل هـ خفيف تشربه المعدة والعروق ويخرج منه الشيء خفيفا، وبناء على ذلك يتلاقى هذا مع حرارة الذكورة وقوة إنضاج الذكر للطعام، فمن هذه القوة وخفة الغذاء يكون البول خفيف النجاسة، ولهذا يوجد فرق بينه وبين بول الجارية في الرائحة مما يدل على صحة هذا التعليل، وأن الخبث الذي يكون في بول الذكر بالنسبة لبول الأنثى أخف. هذه واحدة.
ثانيا: قالوا: بول الذكر يخرج من ثقب في أنبوبة، وهذا يقتضي أن ينتشر وأن يتسع ما يصيبه، وإذا انتشر واتسع ما يصيبه صار التحرز منه شديدا؛ لأنه ينتشر فيكون التحرز منه شديدا، بخلاف بول الجارية، فإنه يخرج ثرثرة بدون أن يكون له بروز، فيكون ما يصيب الثوب منه او البدن قليلا، وهذه علة كما تعلمون تمشي على ثلاثة من أربعة.
الثالث: يقولون: الذكر مرغوب عند أمه، فتحمله كثيرا بخلاف الجارية، الغالب أن الجارية مسكينة تكون في ركن الزاوية ولا يهتمون بها كثيرا بخلاف الذكر، فإذا كانت تهتم به كثيرا فسوف تحمله كثيرا، ويشق التحرز من بوله بخلاف الجارية، وهذه العلة تمشي على اثنتين من أربع لماذا؟ لأننا نجد كثيرا من الناس - ولاسيما في زمن الصغر- يرقون للبنات أكثر ما يرقون للأولاد، ويكون حملهما للجارية أكثر.
على كل حال: أقرب شيء أن العلة الأولى هي المقنعة لكل مؤمن وهي: أن هذا حكم الله ورسوله، ولابد أن يكون هناك حكمة لكننا لا يمكن أن نحيط بكل حكم الله عز وجل.
الثانية: ما ذكرنا من لطافة الغذاء وحرارة البدن، فيجتمع هذا وهذا يكون خفيفا بدليل الفرق في الرائحة، استفدنا من هذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: أن بول الغلام الصغير وبول الجارية الصغيرة نجس؛ لأن كلا منهما عرضة للتطهير منه، لكن الجارية تغسل والغلام نضح أو رش.