الأنبياء محقق أن الأرض لا تأكل أجسادهم، وقد ذكر لنا بعض الثقات أنهم كانوا يحفرون للسور هنا في غنيزة فمروا على جانب من مقبرة قديمة، فلما حفروا عثروا على قبر فوجودا فيه ميتًا قد بليت أكفانه ولكن جسمه باق كله، حتى إنهم يقولون: شعر لحيته باق؛ ووجدوا منه رائحة ليس لها نظير، فتوقفوا وجاءوا إلى قاضي البلد وأخبروه، فقال: أدفنوه على ما هو عليه ونحو الجدار، فمن الناس من لا تأكله الأرض والتقييد بالبلي فيه نظر؛ لأننا لا نصلى على جسده، ولكن نصلى على روحه، ولهذا لو أن الرجل احترق نهائيًا أو أكلته السباع فإنا نصلى عليه، لكن ذكر بعض أهل العلم كلامًا، يقولون: إذا كان هذا المقبور مات وأنت أهل للصلاة على الميت فصل عليه، وإن مات قبل أن تكون أهلاً للصلاة عليه فلا تصل عليه، لأنه حين موته وأنت من أهل الصلاة فهي مشروعة في حقك، مثلاً: لو كان هذا الميت له عشرون سنه وعمرك تسع عشرة سنة لم يشرع لك الصلاة عليه؛ لأنه مات وأنت لم تخلص، أو لك أربع سنين لا تصل عليه؛ لأنه مات قبل أن تكون من أهل الصالة عليه، ولهذا لا يشرع لنا نحن الآن أن نصلى على النبي (صلى الله عليه وسلم) على قبره صلاة الميت ولا على قبر أبى بكر ولا عثمان ولا غيرهم من الصحابة، لأنهم ماتوا قبل أن نخلق، وهذا القول هو أحسن الأقوال عندي.
ومن فوائد الحديث: جواز الإخبار بموت الميت؛ لقوله:"أفلا كنتم آذنتموني؟ "، وعلى هذا فيحمل النهي عن النعي على ما كان معروفًا في الجاهلية من أنهم إذا مات الميت خرجوا بالأسواق وقالوا: مات فلان، مات فلان، تشييدًا لذكره وإشهارًا له فهذا هو المنهي، ومن ذلك ما يفعله الناس الآن، وسنتكلم عليه في الفوائد.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي لمن عمل عملاً عامًا في مصلحة عامة أن يشاد بذكره وأن يحترم ويعظم، وجهه: أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: "هلا كنتم آذنتموني"، وأنه أمرهم أن يدلوه على قبرها حتى صلى عليها.
ومن فوائد الحديث: أن من يصلى على القبر يجعل القبر بينه وبين القبلة لا عن يمينه ولا عن شماله ولا خلف ظهره، يؤخذ من قوله:"فصلى عليها" والمعروف أن الصلاة على الميت يكون الميت هو الذي بينك وبين القبلة.
ومن فوائد الحديث: أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لا يعلم الغيب لا ما وقع ولا ما لم يقع يؤخذ من قوله: "أفلا كنتم أذنتموني" و"دلوني على قبرها" فالرسول لا يعلم من الغيب إلا ما أعلمه الله به.
وهل من فوائد الحديث: أن من صلى على الميت لا يعيد الصلاة عليه مرة أخرى؟ يحتمل أن الذين حضروا مع النبي (صلى الله عليه وسلم) سبق أن صلوا، ويحتمل ألا يكونوا قد صلوا، لكن الظاهر- والله أعلم- أنهم لو صلوا لنقلوا ذلك، وعلى هذا فلا يشرع لمن صلى أن يعيد الصلاة