وممكن أن يستفاد من الحديث: أنه ينبغي لمن كان في المقبرة أن يذكر ما فيه الترغيب والترهيب لقوله: "إن هذه القبور مملوءة ظلمه" لأن الرسول قالها بعد أن صلى على المرأة، وله شاهد: وهو أن الرسول خرج في جنازة رجل فلما وصلوا إلى القبر ولم يتم اللحد جلس النبي (صلى الله عليه وسلم) وجلس الناس حوله فحدثهم عن حالة الموت، وقال الرسول (صلى الله عليه وسلم): "زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة"، وهو حقيقة، فإن الإنسان يمشي بين هؤلاء كانوا أمس على ظهرها كما هو عليها اليوم، بل كانوا أقوى منه وأغنى منه وأعلم منه، وهم الآن مرتهنون بأعمالهم، فلا شك أنها عبرة لكن لمن اعتبر، فالقرآن مثلاً عبرة كما قال الله:{يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة ... }[يونس: ٥٧]. لكن مع ذلك يتلى على قوم فيزيدهم رجسًا إلى رجسهم - والعياذ بالله- لا ينتفعون به، فالمقابر التي نمر بها كل يوم -إلا ما شاء الله- نجد أكثر الناس غافلين، كأنهم يمرون إلا على أحجار منصوبة على أرض، كأن هؤلاء القوم ما كانوا على الدنيا وهم أكثر منهم ترفًا وتنعمًا وقوة في البدن وفي العقل، ومع ذلك أصبحوا الآن جثثًا في القبور لا يستطيعون زيادة في حسناتهم ولا نقص سيئة من سيئاتهم، فالموعظة في هذا المكان لا شك أنها مناسبة، لكن كوننا يقوم واحد من الناس ويخطب ويعظ هذا ليس بصواب، إنما لو جلس الرجل وجلس حوله أحد وأخذ يذكرهم كما فعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) لكان هذا جيدًا ونافعًا، وأما أن نجعل المقبرة وتشييع الجنائز منابر للخطابة فهذا خلاف المشروع.
ممكن أن يؤخذ منه أيضًا: أن من مات في البلد لا يصلى عليه صلاة الغائب.
وربما يستفاد من الحديث: أن الذي يضع الأذى في المساجد أن يهان؛ يعني: ضد الإكرام.
النهي عن النعي:
٥٣٠ - وعن حذيفة (رضي الله عنه): "أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان ينهي عن النعي"، رواه أحمد، والترمذي وحسنه.
قوله:"كان" الجملة خبر "إن" ,"ينهي" الجملة خبر كان، و"كان" إذا كان خبرها مضارعًا فإنها تدل على الاستمرار غالبًا لا دائمًا، وقوله:"ينهي" النهي: طلب الكف على وجه الاستعلاء بصيغة معينة وهي المضارع المقرون بلا الناهية، هذا هو النهي، وإنما قلنا: طلب الكف ليخرج بذلك الأمر؛ لأن الأمر طلب الفعل، وليخرج بذلك الاستفهام لأنه طلب الإخبار بشيء،