للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولنا: "على وجه الاستعلاء" خرج به الدعاء، فلا يسمي نهيًا مثل قوله تعالى: {بنا لا تؤاخذنا} هذا دعاء، لأنه ليس على سبيل الاستجداء، وخرج به الالتماس أيضًا وهو: أن توجه هذه الصيغة إلى من كان يماثلك أو يساويك فلا يسمي أمرًا، لأنه ليس على سبيل الاستعلاء، وقولنا: "بصيغة معينة" هي: المضارع المقرون بلا الناهية، خرج بذلك كلمة أترك أو دع، هذه طلب كف لكن ليس بصيغة المضارع المقرون بلا الناهية فلا يسمي نهيًا، وإنما يسمي أمرًا بالترك والأمر بالترك ليس نهيًا، لأن النهي له صيغة معينة وهي المضارع المقرون بلا الناهية، وقولنا: "على وجه الاستعلاء" ولا نقول: من عال على من دونه: لأنه قد يأتي إ، سان هو دونك لكن يكون له فرصة يستعلى عليك كما لو أمسك اللص سلطانًا وهو يمشي وحدة فقال له اللص: أحضر لي الأرض هذه وأخرج منها كذا وكذا، أيهما أعلى؟ السلطان أعلى في الواقع، لكن هذا اللص استعلى يعني: أنه تكلف العلو وإلا فهو ليس من شيمته ولا من حاله.

إذن الرسول (صلى الله عليه وسلم) إذا قال: لا تفعلوا كذا فهو على سبيل الاستعلاء، لا أنه - عليه الصلاة والسلام - متكبر مترفع عن الخلق، لكن أمره فوق أمورنا، وهو مبلغ عن الله -سبحانه وتعالى-.

وقوله: "ينهي عن النعي" هل هذه الصيغة كما لو قال الراوي: قال النبي (صلى الله عليه وسلم): لا تنعوا موتاكم؟ الصحيح أنها كقول الراوي: قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "لا تنعوا موتاكم" وأمن من قال: إن هذا قد يكون فهمًا من الصحابي، وأن الرسول ما نهي لكن كره النعي فليس صريحًا في النهي، فإن هذا ليس بصواب، ذلك لأن الصحابة أدرى بصيغ الألفاظ لأنهم عرب فصحاء؛ ولأن الصحابة أورع من أن يقولوا: نهي أو ينهي وهم لم يتأكد لهم ذلك، إذن فقول الصحابي: "كان ينهي" مساو لقوله: قال النبي (صلى الله عليه وسلم): لا تفعلوا كذا، ولا فرق لما ذكرت لكم.

وقوله: "عن النعي"، النعي: هو الإعلام بموت الشخص، وكلمة "أل" هل هي لبيان الحقيقة أو للعهد؟ إن قلنا: لبيان الحقيقة وقعنا في مشكلة، وإن قلنا: للعهد زال عنا الإشكال، كيف ذلك؟ إذا قلنا: إنها لبيان الحقيقة صار النهي واردًا على النعي من حيث هو نعي (صلى الله عليه وسلم) النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وإذا قلنا: إن "أل" للعهد زال الإشكال، فما هو العهد هنا؟ عهد ذهني؛ يعني: عن النعي المعهود المعروف في الجاهلية كانوا إذا مات الميت خرجوا في الأسواق يقولون: مات لان، ويكيلون له من المدح والثناء ما لا يكون أهلاً له، لكنهم يطوفون في الأسواق وعلى الإحياء يعلمون الناس بموته، هذا هو الذي نهى عنه الرسول (صلى الله عليه ولسم)، وبناء على ذلك فليس في الحديث شيء مشكل، فيكون النعي الذي نهي عنه الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو النعي المعروف في الجاهلية.

<<  <  ج: ص:  >  >>