للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستفاد من هذا الحديث: نهي النبي (صلى الله عليه وسلم) عن النعي، وهل هو للكراهة أو للتحريم؟ الأصل في النهي: التحريم، كما أن الأصل في الأمر: الوجوب، هذا هو الذي عليه كثير من أهل الأصول، واستدلوا بأدلة منها: قوله تعالى: {يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) [النساء: ٥٩]. ومنها: قوله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة ... } [النور: ٦٣].

قال الإمام أحمد: الفتنة: الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قوله شيء من الزيغ فيهلك، وهذا خطي لاسيما إذا رد الإنسان قوله الله ورسوله كراهية له، فإنه قد يخرج به ذلك إلى الكفر، فالمهم أن أكثر الفقهاء أو الأصوليين يقولون: إن الأصل في النهي التحريم، والأصل في الأمر الوجوب، وعلى هذا فإذا وردت نصوص من الكتاب أو السنة فيها أوامر تقول: هي واجبة أفعل، وإن لم تفعل فأنت آثم، ما لم يوجد دليل يدل على أن هذا الأمر ليس للوجوب، وسواء كان الدليل بلفظ متصل أو بلفظ منفصل أو بفعل، المهم: أن يأتي دليل، وكذلك نقول في النهي.

وقال بعض الأصوليين: إن الأصل في الأمر الاستحباب، والأصل في النهي الكراهة، وعللوا ذلك بأنه لما أمر به الشارع صار مطلوبًا فثبتت المشروعية، والتأثيم بالترك يحتاج إلى دليل، والأصل براءة الذمة وعدم الإثم، فإذن إذا لم يرد دليل على أن هذا الأمر للوجوب إما بعزم من الشارع أو بتوبيخ على تركه أو ما أشبه ذلك فإن هذا الشيء المأمور به يكون مستحبًا لا واجبًا، وكذلك قالوا في النهي، ولا شك أن الأمر فيه إشكال سواء قلنا بأن الأصل الوجوب، أو قلنا بأن الأصل الاستحباب في الأمر، والأصل التحريم في النهي أو الكراهة، لا بد أن يمر بك شيء قد تعجز عن الجواب عنه، إن قلت بالوجوب ورد عليه أوامر كثيرة كلها للاستحباب، وإن قلت للندب ورد عليك أوامر كثيرة كلها للوجوب، وحينئذ لا بد من أن يكون الإنسان فاحصًا وفاهمًا لمورد الشريعة ومصادرها ومعاقلها حتى يتمكن له أن هذا الأمر للوجوب أو للاستحباب، وهذا النهي للكراهة أو للتحريم، والمسألة صعبة؛ ولهذا نجد العلماء يقوم بينهم معارك من الخلاف نحو هذا الأمر، تجد هذا يقول: هذا واجب؛ لأن الرسول أمر به والأصل في الأمر الوجوب، ثم يقول الثاني: هذا مستحب؛ لأن الأصل عدم التأثيم وبراءة الذمة، ولكننا نقول- لصفة التعبد أو بمقتضى العبادة لله (عز وجل): إذا أمرك بأمر فافعله: إن كان للوجوب أثبت

<<  <  ج: ص:  >  >>