نقول: إنه شافع وهو نفسه يحتاج إلى من يشفع له، الشافع لا بد أن يكون خاليًا من الشوائب التي تحول بينه وبين الشفاعة.
وقوله:"أربعون رجلاً" هل هي على سبيل التحديد، أو من باب المبالغة، ما الأصل؟ الأصل: التحديد إلا إذا قامت قرائن تدل على أن المراد: المبالغة فإنه يعمل بها، وبناء على ذلك فإنه يفهم من قوله:"أربعون رجلاً" أنه لو صلى عليه تسع وثلاثون فإن شفاعتهم غير مضمونة لكنها ليست ممنوعة وفرق بين أن تكون مضمونة وأن تكون ممنوعة، ممكن أن يشفعهم الله فيه ولو كانوا دون الأربعين، لكن الشيء المضمون هو أن يكونوا أربعين، وقوله:"أربعون رجلاً" يفهم منه أنه لو صلى عليه عشرون رجلاً وعشرون امرأة لا تؤمن الشفاعة، فيقال: لا؛ الظاهر أن هذا القيد من باب الأغلب؛ لأن أغلب الذين يصلون على الجنائز رجال، فإذا جاء القيد موافقًا للأغلب لم يكن لمفهومه حكم، ثم إن كثيرًا من الأحكام الشرعية تعلق بوصف الرجولة، سواء كانت جمع تكسير أو كانت مفردًا أو كانت جمعًا سالمًا، ولا يعني ذلك أن النساء لا يدخلن في هذا إلا إذا وجد دليل يخرج النساء.
ففي هذا الحديث فوائد منها: أولاً: أن غير المسلم لا تنفع الشفاعة، لقوله:"ما من رجل مسلم".
ثانيًا: أن المرأة لو قام على جنازتها أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئًا شفعهم الله فيها؛ لأن القيد أغلبي، أو نقول: ما يثبت في حق الرجال يثبت في حق النساء إلا بدليل.
ومن فوائد الحديث: أن غير المسلم لا تنفعه الشفاعة؛ لقوله:"رجل مسلم" وهو كذلك، وقد قال الله (عز وجل) {فما تنفعهم شفاعة الشافعين (٢٨)} [المدثر: ٤٨].
ومن فوائده: مشروعية تكثير المصلين على الجنازة طلبًا لنيل شفاعتهم ومن فوائده، أن الدعاء من الشفاعة، يعني: دعاء الإنسان للإنسان شفاعة، فإذا دعوت لأحد فمعناه: أنك شفعت له عند الله -سبحانه وتعالى- وأصل الشفاعة جعل الفرد شفعًا؛ لأن الشافع يأتي مع المشفوع له، فبدلاً من أن يكون المشفوع له واحدًا صار اثنين: هو والشافع.
ومن فوائد الحديث: أن الأعداد التي يعينها الشرع توقيفيه، بمعني أننا لا نعلم حكمتها، لأن الرسول قال:"أربعون رجلاً" لماذا لم يكن ثلاثين؟ قد نقول: لأنهم أقل: وإذا قلنا: لأنهم أقل، قال قائل: والأربعون أقل من الخمسين فيأتي الدور، ولكننا نقول: إن هذه الأعداد التي يعينها الشرع ليس للعقل فيها مجال، ولهذا لا يقول قائل: لماذا كانت صلاة الظهر أربعًا، وصلاة العصر أربعًا، لماذا لم تكن ستًا أو ثمانيًا؟ والجواب: أن نقول هذه أمور توقيفية ليس للعقل فيها مدخل.