للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعلم - النبي صلى الله عليه وسلم استفتى في ذلك في المرأة يصيب ثوبها الحيض أتصلي فيه أم لا؟ فقال: هذا وهذا.

الحديث من فوائده: أن دم الحيض نجس؛ لأنه لما ذكر تطهيره في المراتب التي سمعتم قال: "ثم تصلي فيه"، فدل على أنه لابد من إزالته قبل الصلاة، وهو يدل على أنه نجس.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يعفى عن اليسير لقوله: "ثم تقرصه بالماء"، وهذا لا يكون غالبا إلا في الشيء القليل، أما في الشيء الكثير فلابد من حته بالراحة، يعني: براحة اليد كلها لكن القليل هو الذي يكون بالقرص، فيكون في هذا الحديث دليل على أن دم الحيض لا يعفى عن يسيره، بقية الدماء القول الراجح فيها أنها ليست بنجسة، يعني: أن الدماء الخارجة من الإنسان ليست بنجسة؛ لأنني - إلى ساعتي هذه- ما وجدت دليلا يدل على النجاسة، وقد تقرر أن الأصل في الأشياء الطهارة إلا بدليل، وذكرنا عند حديث "ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت" أن القاعدة ألا يكون نجسا؛ لأن ميتة الآدمي طاهرة، فما انفصل منه في حياته يكون طاهرا، كما لو قطعنا يدل من يديه مثلا أو رجلا من رجليه فهي طاهرة، وإذا قلنا بالنجاسة وهو قول جمهور العلماء، وهو القول الذي لا يعرف أكثر الطلبة إلا إياه، يقولون: إنه يعفى عن يسيره فما هو اليسير؟ هل اليسير ما استسهله كل إنسان بحبسه أو اليسير ما استسهله عامة الناس؟ في هذا قولان لأن للفقهاء.

القول الأول: أن اليسير ما استسهله كل إنسان بحسب حاله.

والقول الثاني: أن العبرة بعامة الناس ومتوسطي الناس؛ فما رأوه يسيرا فهو يسير، وما رأوه كثيرا فهو كثير.

القول الأول له وجهة نظر وعليه مؤاخذة، وجهة النظر: أن الإنسان إذا رأى أن هذا الدم الذي أصابه يسير اطمأن وصلى بطمأنينة ولم يحصل منه قلق، ولا يرى أنه قصر في شيء، فيقال: أنت وربك، ولكن فيه مؤاخذة؛ المؤاخذة: أن الناس يختلفون؛ فمن الناس من يوسوس، النقطة التي كعين الجرادة يرى أنها كثيرة، ومن الناس من يكون متهاونا يرى النقطة التي هي أكبر من العصفور قليلة، وحينئذ يختلف الناس في التقدير فيكون الرجوع لأوساط الناس هو القول المترتب، ولهذا شواهد في الشريعة اللقطة تعرفون أنها إذا كانت يسيرة قليلة فإن الإنسان يملكها بمجرد لقيتها إذا لم يعرف صاحبها. اليسير عند من؟ عند أوساط الناس، فالرجوع إلى أوساط الناس أمر معتبر شرعا، فيرجع في القليل والكثير إلى أوساط الناس، لا نأخذ برأي المتهاون ولا برأي الموسوس، هذا بالنسبة لدم غير الحيض، أما الحيض فالحديث يدل على أن كثره وقليله نجس، وليس لنا خروج عما تقتضيه السنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>