للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشاعر الذي أشار إليه ابن مالك:

إني إذا ما حدث ألمًا *** أقول يا ألهم يا للهما

والأكثر أن يقال: اللهم اللهم، يقول "اللهم اغفر لهم وارحمه" المغفرة هي: ستر الذنب والتجاوز عنه، ليست مجرد الستر ولا مجرد التجاوز، بل ستر وتجاوز، من أين عرفنا كلا المعنيين؟ من الاشتقاق، لأن المغفرة مأخذوه من الغفر، والمغفر هو: شيء من الحديد يوضع على الرأس عند الحرب، ففيه وقاية وستر، ويدل لذلك أيضًا أن الله (عز وجل) إذا خلا بعبده المؤمن يوم القيامة وقرره بذنوبه، قال له: "قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم"، إذن المغفرة: ستر الذنب والتجاوز عنه، "وارحمه" الرحمة فوق المغفرة، لأنه بعد إزالة العقوبات يطلب له حصول الرحمات وارحمه ففيها حصول المطلوب بعد زوال المرهوب، ولهذا دائمًا تقرن مع المغفرة متأخرة عنها، فبعد ما تزال الشوائب المانعة تأتي الرحمة، ولهذا يقولون: التحلي بعد التخلي، التحيل، يعني: التجميل وإصلاح الإنسان نفسه، وليس الحلي يكون بعد التخلي، المرأة إذا لبست الحلي ووجهها ملوث بالأوساخ، نقول: أذهبي أغسلي وجهك أولاً ثم ألبسي الحلي، فهنا تخل قبل تحل.

"وعافه واعف عنه" و"عافه" من أي شيء؟ من العذاب الحاصل بفعل الذنوب، "واعف عنه" تجاوز عنه من التقصير بفعل الواجب؛ لأن الآثام سببها أمران: إما فعل محرم، وإما ترك واجب، ففي "عافه" من آثار المحرمات، و"وأعف عنه" عن آثار التهاون بالواجبات.

لو قال قائل: هل هاتان الجملتان داخلتان فيما سبق؟

فالجواب: نعم، لكن مقام الدعاء ينبغي فيه البسط والتكرار، وذكرنا فيما سبق: أن استحباب البسط والتكرار بالدعاء له فوائد متعددة، منها: أنه كلما طالت المناجاة مع من تحب كان ذلك أبلغ في إقامة الحجة والبيان على أنك تحبه، الثاني: أن الدعاء عبادة فكلما كررته زدت في عبادة الله عز وجل، الثالث: أن تكراره إلحاح من العبد، وهو دليل على شعور الإنسان بشدة الافتقار إلى ربه (عز وجل)، وإذا شعر الإنسان بذلك أوشك أن يمده الله بما يكون فيه الغني، أي: أن الله يحب من عبده الإلحاح والتكرار، فينال بذلك محبة الله، ومنها: أن هذا التفضيل قد يذكر الإنسان بأشياء دقيقة ليست مذكورة مثل الإجمال، يقول: "وأكرم نزله" النزل: ما يقدم للضيف

<<  <  ج: ص:  >  >>