لانتظار جماعة أو لتحقيق في أمره أو ما أشبه ذلك فإنه لا يسأل حتى يدفن؛ لأن النبي قال:"إذا دفن الميت وتولى عنه أصحابه حتى أنه يسمع قرع نعالهم أتاه ملكان"، فإن لم يدفن مثل أن يموت في بر وتأكله السباع فإنه يسأل؛ ولهذا نقول: فتنة القبر، "القبر" في اللغة: الحفرة التي يدفن فيها الميت، ويراد بها هنا: البرزخ الذي بين موته وقيام الساعة، قال الله تعالى: {حتَّى جاء أحدهم الموت قال ري ارجعون (٩٩) لعلى أعمل صالحًا ... } [المؤمنون: ٩٩].
قال" "قه فتنة القبر" هذا فيه إشكال وهو إذا كان السؤال عامًا لكل أحد- ولابد منه- فكيف يدعو النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يقي هذا الميت فتنة القبر مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "أوحي إلىَّ أنكم تفتنون في قبوركم- مثل أو- قريبًا من فتنة الدجال".
الجواب أن يقال: إن المراد: وقاية شرها وأثرها لا وقاية فعلها أو السؤال نفسه، هذا لابد منه.
وقوله: "وعذاب النار" يعني: العذاب الذي يكون في النار، والإضافة هنا بمعنى: "في"؛ لأن الإضافة تكون بمعنى: اللام، وبمعنى: "من"، وبمعنى: "في"، تكون على تقدير "في" إذا كان ما بعد المضاف ظرفًا للمضاف، يعني: على تقدير "في"، وتكون على تقدير "من" إذا كان المضاف إليه جنسًا للمضاف، وتكون على تقدير اللام فيما عدا ذلك، فخاتم حديد: على تقدير من، وقوله تعالى:{بل مكر الَّيل والنَّهار}[سبأ: ٣٣]. على تقدير "في"، وعليه فقوله: "عذاب النار" يكون على تقدير "في" والباقي على تقدير اللام، وهذا كثير مثل: كتاب زيد؛ أي: كتاب لزيد، قال: "وعذاب النار" النار هي: الدار التي أعدها الله عز وجل للكافرين، {واتَّقوا النَّار الَّتي أعدَّت للكافرين}[آل عمران: ١٣١]. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها فضّلت على نار الدنيا بتسعة وستين جزءًا، قال: "ناركم هذه الذي توقدون". هذه فضِّلت عليها بتسعة وستين جزءًا، ونارنا هذه كافية في التعذيب، لكن هذه فوقها بتسعة وستين ومع ذلك عذاب- والعياذ بالله- متنوع ولا وقاية ولا سلامة، حتى إنهم- والعياذ بالله- يمنون فيدفعون إلى أعلاها كأنهم سيخرجون، ولكن يعادون فيها ويوبخون: {كلَّما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النَّار الَّذي كنتم به تكذبون (٢٠)} [السجدة: ٢٠]. نسأل الله العافية؛ ولهذا دعا النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الميت أن يقيه الله تعالى عذاب النار.