للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه قوله تعالى: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات} [إبراهيم: ٤٨] تبدل بأوصافها {يوم تكون السماء كالمهل (٨) وتكون الجبال كالعهن} [المعارج: ٨، ٩] كذلك الأرض تبدل فتكون قاعًا صفصفًا لا ترى فيه عوجًا ولا أمتا، وتكون بعد التكوير ممدودة: {وإذا الأرض مدت (٣)} [الانشقاق: ٣] فهنا نقول: أما زوجاته من الحور العين فلا ريب أنهم غير زوجاته من الدنيا وهن خير من زوجات الدنيا من وجه، وزوجات الدنيا خير منهم من وجه آخر، والزوجة في الدنيا تبدل في الآخرة بأوصافها فهذا معني قوله: "زوجًا خيرًا من زوجة".

نقول: إن كانت الزوجة من الحور العين فالأمر ظاهر، وأما إن كانت من زوجاته في الدنيا فالمراد إبدال الأوصاف.

يقول: "وأدخله الجنة" الجنة: سبق لنا أنها في اللغة: البستان ذو الأشجار الكثيرة، وسمي بذلك، لأن يحن من فيه، أي: يفتنه، ولكنه لا ينبغي أن يعرف بهذا التعريف في جنة الخلد، لأن جنة الخلد إذا عرفت بهذا التعريف سوف يتصورها أكثر الناس بأقل ما هي عليه في الحقيقة، ولكننا نقول: إن الجنة هي الدار التي أعدها الله تعالى للمتقين وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

وقوله: "وقه فتنه القبر وعذاب النار" قوله: "قه" هذه فعل أمر وتنصيب مفعولين: المفعول الأول الهاء، والمفعول الثاني "فتنة" وهي من حرف واحد، لأن فعلها مثال ناقص، وإذا كان الفعل مثالاً ناقصًا صار فعل الأمر منه على حرف واحد، الفتنة في اللغة تطلق على معان منها: الاختبار، ومنها: الصد، قال الله تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} [الأنبياء: ٣٥] هذه بمعنى: اختبار، وقال تعالى: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا} [البروج: ١٠] أي: صدوا، وقال تعالى: {فإنكم وما تعبدون [١٦١، ١٦٢]، أي: بصادين، فتطلق على معان منها: الصد، ومنها: الاختبار والامتحان، والمراد بها هنا: الاختبار وهو سؤال الميت عن ربه ودينه ونبيه، وهي ثابتة لكل من يدفن، إذا دفن الإنسان فإنه يسأل عن هذه الأمور الثلاثة، إلا أن العلماء اختلفوا في الصغير والمجنون: هل يسأل أو لا يسأل؟ على قولين، ويستثني من ذلك الشهداء فإنهم لا يسألون كما رواه النسائي، قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): "كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنه" وهل يستثني الأنبياء؟ قال بعض العلماء، يستثنى الأنبياء لأنهم أولى من الشهداء، ولأن المسئول عنهم هم الأنبياء والرسل، حيث إن الأسئلة هناك هي: من ربك؟ وما دينك؟ ما نبيك؟ فلا يسألون، ومتى تكون هذه الفتنة؟ تكون إذا دفن الميت، فإن بقى يومًا أو يومين

<<  <  ج: ص:  >  >>