يقول:"وأبله دارًا خيرًا من داره" يعني: أجعل له دارًا خيرًا نم داره، والدار التي انتقل منها دار الدنيا: دار الهموم والغم والنصب والتعب البدني والعقلي؛ ولهذا لا تجد شيئًا في الدنيا حسنًا إلا وهو مقرون معه السيئ أبدًا حتى الزمن فيه حسن وسيء كما قال الشاعر:
فيوم علينا ويم لنا*** ويوم نساء ويوم نسر
وهذه من حكمة الله (عز وجل) أرأيتم لو أن ما في الدنيا من الأشياء الحسنة يبقي حسنًا لا سوء فيه، أفلا يفتن الناس بذلك؟ يفتنون جدًا، لكن قرن السوء بالحسن فيما يتعلق بالدنيا ليتعظ الإنسان ويعتبر ويطلب دارًا أخرى ليس فيها حسن وسيء: {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور (٣٥) الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فينا نصب ولا يمسنا فيها لغوب} [فاطر: ٣٥] لا تعب ولا إعياء أبدًا، كاملة، لكن الدنيا فيها نقص كبير، والدار التي ينتقل إليها أول ما ينتقل من الدنيا هي: القبر، فهل يمكن أن تكون خيرًا نم داره؟ نعم، ولولا ذلك ما دعا الرسول (صلى الله عليه وسلم) بها، إذ إن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لا يدعو بأمر محال، والقبر يكون خيرًا من الدنيا إذا فسح للإنسان مد بصره، وقيل له: نم صالحًا، وفتح له باب إلى الجنة، وأتاه من ريحها ونعيمها وفرش له من الجنة فيكون - والله- أحسن من الدنيا ألف مرة، ولهذا قال:"أبله دارًا خيرًا من داره" لكن "أهلاً خيرًا من أهله" وأهل المرء: ما يأهلهم ويأوي إليهم كالزوجة والود والأم والوالد إذا كان عنده في البيت ولا شك أن الإنسان يأنس بأهله ويسر بهم ويطيب عيشه فيهم، فالرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول: "أبدله أهلاً خيرًا من أهله" لأنه سوف ينتقل عن الأهل الأولين وعن الأهل الآخرين، فيقول:"أبدله أهلاً خيرًا من أهله" وذلك في جنة النعيم، "وزجًا خيرًا من زوجة" يعني: أبدله زوجًا خيرًا من زوجه، والزوج معروف، ويطلق على الرجل وعلى المرأة في اللغة العربية.
ولكن هنا إشكال وهو أن يقال:" من هذا الذي يبدل به زوجة في الدنيا ويكون خيرًا منه مع أنه يوم القيامة يكون الرجل وزوجته وذريته {ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذريتهم}[غافر: ٨] وثبت أن أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) يكون زوجاته في الآخرة كيف يقول: "زوجًا خيرًا من زوجة"؟
أجاب عنه بعض أهل العلم وقال: إن الإبدال نوعان: إبدال أعيان، وإبدال أوصاف، إبدال الأعيان: أن أعطيك شيئًا وتعطيني بدله كما يحصل في المبايعات، مثلاً: المشترى يعطي الثمن والبائع يعطي السلعة هذا بدل هذا ومنه قوله تعالى: {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات}[الفرقان: ٧٠] تكون السيئة حسنة، وإبدال أوصاف بمعني: أن العين واحدة لكن تتغير صفاتها،