نقول: هنا ليس بصريح لكنه ظاهر فيه، والاعتماد على الظاهر وغلبة الظن في الأحكام الشرعية أمر جاء به الشرع، وعلى هذا فنقول: إننا نحمله على الظاهر، فما هو الظاهر الذي حملناه عليه؟ قلنا: إن الأمر والنهي في عهد الصحابة لمن؟ للرسول صلى الله عليه وسلم، لا سيما في الأمور التعبدية الشرعية.
قولها:"نهينا عن اتباع الجنائز" هذه المسألة غير زيارة القبور، اتباع الجنائز: يعني: أن تخرج المرأة مع الجنازة، واتباع المرأة للجنائز على نوعين:
النوع الأول: أن تتبع الجنازة إلّى المصلى وتصلي عليها وتنصرف، فيكون القصد هو الصلاة على الميت.
والثاني: أن تشيع الجنازة وتتبعها إلى المقبرة، وتدخل المقبرة فهذا أشد من الأول من حيث النهي؛ لأن هذا يستلزم زيارة المرأة المقبرة، وزيارة المرأة للمقبرة على الصحيح محرمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور.
ولكن قد يقول قائل: إذا خرجت مع الجنازة لا لقصد الزيارة فهل تدخل في اللعن؟ سبق لنا أنه إذا كانت المرأة لم تقصد الزيارة فإنها لا تدخل في اللعن، وعلى هذا يحمل الحديث الذي رواه مسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم علمها ماذا تدعو به لأصحاب القبور.
وقولها رضي الله عنها:"ولم يعزم علينا" استفدنا منه أمرين:
الأمر الأول: أنها رضي الله عنها فهمت أن هذا النهي ليس على سبيل العزيمة، وعلى هذا فيكون للكراهة فقط.
والأمر الثاني الذي استفدناه من هذا التعبير: أن المنهيات نوعان: عزيمة وغير عزيمة، وعلى هذا فليس كل نهي للتحريم على الإطلاق، وإنما يكون النهي أحيانًا للتحريم وأحيانًا للكراهة، وهذا هو الذي مشي عليه أهل العلم، إلا أنهم قالوا: إن الأصل في النهي التحريم، لكنهم لم يقولوا: إن النهي لا يأتي للكراهة أبدًا، بل قد يكون للكراهة وقد يون للتحريم، وهذا التقسيم الذي أشارت إليه أم عطية يدل على ذلك عزيمة وغير عزيمة، فإن كان عزيمة وجب اجتناب المنهي عنه وإن لم يكن عزيمة لم يجب، لكنه يطلق عليه أنه مكروه أو أنه منهي عنه.
وقولها:"ولم يعزم علينا" يدل على أن اتباع الجنائز للنساء ليس محرمًا، يؤخذ من قولها:"ولم يعزم"، والراوي أدرى بما روى، ولا يمكن أن تقول:"نهينا ولم يعزم" إلا وعندها من القرائن ما يفيدها بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرد بالنهي العزيمة.