للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا تنازع بعض أهل العلم في قولها: "ولم يعزم علينا"، وقال: إن هذا منها وفهم لها، وفهمها لا يكون حجة على ما يقتضيه النهي، فما دامت أثبتت النهي فإننا نحن نأخذ بما أثبتت، أما قولها: "ولم يعزم" فهذا مبني على فهمها، وفهمها قد يكون صوابًا وقد يكون خطأ كغيرها، على أنه في بعض الروايات: "نهينا عن إتباع الجنائز"، ولم تذكر: "ولم يعزم علينا"، قالوا: وهذا هو المحفوظ "نهينا عن إتباع الجنائز"

وعلى كل حال: فهذا الحديث محل تردد ونظر: هل نأخذ بقولها: "ولم يعزم علينا" لأنها راوية الحديث وأعلم بمدلوله، ولابد أن عندها من القرائن ما أخرج النهي من العزيمة، وهي صحابية ثقة عارفة بمدلول اللسان العربي وعارفة بالأحكام الشرعية؟ هذا احتمال أن نقول: إن النهي وكونه عزيمة أو غير عزيمة الأصل فيه أنه عزيمة هذا الأصل، وعلى هذا فيكون النهي للتحريم، أما أن يقال: إن قولها: "لم يعزم علينا" بالنهي وأنه بعد أن نهينا، يعني: رخص لنا، فهذا يأباه اللفظ غاية الإباء، ولا يدل على أن المرأة يباح لها أن تتبع الجنازة، وما استدلوا به من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في جنازة وكان معه امرأة فصاح بها عمر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "دعها"، فهذا الحديث إن صح فإنه يكون قبل النهي؛ لأن النهي ناقل عن الأصل، وإذا تعارض حديثان فإنه يرجح ما كان ناقلًا عن الأصل؛ لأن الأول مبتن عليه وهو الأصل، فإذا جاءنا ما ينقل عنه دل هذا على أنه حكم متجدد والأول على أصل البراءة.

يستفاد من هذا الحديث: أولًا: نهي النساء عن إتباع الجنازة لقولها: "نهينا عن إتباع الجنائز".

ومن فوائده: أن هذا أصل من الأصول التي يعرف بها أن الشارع يفرق في الأحكام بين الرجال والنساء، وأن التفريق بين الرجال والنساء في الأحكام له أصل في الشرع، هذه المرأة تنهى عن إتباع الجنائز، والرجل يؤمر بإتباع الجنائز، بل جعله الرسول صلى الله عليه وسلم من حقوق المسلم على المسلم.

وهذا يتفرع عليه فائدة: وهي حكمة الشارع في التشريع حيث ينزل كل أحد في التشريع بما يليق به، فلما كانت المرأة ليست أهلًا للتشييع- لما يخشى من تشييعها من الفتنة ومن عدم الصبر حتى تبكي وتنوح- نهاها الشارع، وأما الرجل فلقوته وجلده وصبره أمره الشارع بأن يتبع الجنازة.

ومن فوائد الحديث: أن النهي ينقسم إلى: عزيمة وغير عزيمة؛ لقولها: "نهينا ولم يعزم علينا".

ومن فوائده: أن النهي عند الإطلاق عزيمة، ولو كان عند الإطلاق ليس عزيمة لم يحتج إلى قولها: "ولم يعزم علينا" وهو كذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>