ومن فوائد الحديث: أن الصحابي قد يعدل عن اللفظ الصريح لنكتة، وهو قولها:"نهينا" دون أن تقول: نهانا.
فإن قال ذلك تابعي، قال: نهينا، أو أمر الناس، أو ما أشبه ذلك، فقيل: إنه موقوف، وقيل: إنه مرفوع مرسل، وعلى كلا التقديرين لا حجة فيه لأنه إن كان موقوفًا فهو من قول الصحابي أو فعله، وإن كان مرفوعًا مرسلًا ففيه ضعف من أجل الانقطاع- سقوط الصحابي-.
حكم القيام للجنازة:
٥٤٦ - وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يجلس حتى توضع". متفقٌ عليه.
قوله:"إذا رأيتم فقوموا" الجملة شرطية، ولكن أداة الشرط فيها غير جازمة، وجواب الشرط.
قوله:"فقوموا""إذا رأيتم" يعني: رؤية عين، "فقوموا" وإن لم تحاذكم بمجرد ما ترونها فقوموا، إلى متى؟ ما بين في هذا الحديث، ولكنه بين في حديث آخر حتى تجاوز الإنسان، ثم إذا قام فإن شاء تبع وإن شاء لم يتبع، ولهذا قال بعدها:"فمن تبعها فلا يجلس حتى توضع"، "من تبعها" يعني: من قام وتبعها لما مرت به فلا يجلس حتى توضع على الأرض مدة، فإن وضعت في اللحد مباشرة فحتى توضع في اللحد، والحكمة من ذلك: تنبيه النفس على هذا الأمر الذي هو مآل كل حي وهو الموت، ولهذا علله النبي صلى الله عليه وسلم بأن الموت فزع، فلا ينبغي أن تمر بك الجنازة وأنت قاعد على حديثك كأن شيئًا لم يكن، كما يرمي إليه أهل الكفر الذين يريدون أن ننسى الاتعاظ بالموت، حتى قال بعض الناس: إن أصل هذا الحفل بالسيارات والأبهة وما أشبه ذلك إن أصله كان من الغرب يريدون بذلك أن يشتغل الناس عن ذكر الموت بهذه الحال، وكذلك أيضًا لها علة أخرى وهي أنها نفس، والنفس مخلوقة لله عز وجل، وقد كانت الآن منفصلة عن بدنها فكان لها نوع من الاحترام أو الإكرام، وورد أيضًا أن معها ملكًا.
وكل هذه الأشياء لا ينافي بعضها بعضًا؛ إذ يجوز تعدد العلل لمعلول واحد كما يثبت الشيء بعدة طرق، الحد يثبت بشهادة الشاهدين وبإقرار المشهود عليه وبوجود الشيء عنده، لو ادعيت على شخص أنه سرق مني كذا، أو كذا أو أنه جحد لي كذا وكذا ووجدناه عنده وأقر به هو وأتيت بشاهدين بكم طريق كان إثباته؟ ثلاث طرق، فتعدد الأدلة جائز؛ لأنه يزيد الشيء