للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن عباس حين قرأ الفاتحة في صلاة الجنازة وقال: "لتعلموا أنها من السنة" أي سنة هذه؟ الواجبة، وقول أنس: "من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعًا" الواجب هذا بالنسبة للسنة المضافة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، أما السنة التي اصطلح عليها الأصوليون فإنهم يعنون بالسنة خلاف الواجب، يعني: يقسمون الأوامر إلى قسمين: واجب محتم وسنة غير محتمة، وأكثرهم أيضًا لا يفرق بين المستحب وبين السنة، فيرى أنه يجوز أن تعبر: "يسن كذا"، أو "يستحب كذا"، وبعضهم يقول: لا، ما ثبت باجتهاد، فقل: مستحب، وما ثبت بدليل فقل: سنة.

فيستفاد من هذا الحديث: أنه ينبغي في دفن الميت أن يدخل القبر من عند رجلي القبر، فيكون الميت يؤتى به في مقبرتنا هذه من ناحية الجنوب ثم يدخل هكذا ينزل تنزيلًا في القبر حتى يكون أول ما يدخل القبر رأسه، فتكون الحكمة من ذلك- والله أعلم-: لأن الرأس أشرف الأعضاء؛ ولهذا عند الصلاة يقف الإمام عند رأس الرجل؛ لأن الرأس فيه الوجه، والوجه أشرف الأعضاء، فيه الناصية التي هي محل التدبير والتنفيذ المكسب الخاص هو الناصية، وهي في مقدمة الرأس ولهذا قال الله تعالى: {مَّا من دابةٍ إلَّا هو آخذ بناصيتها} [هود: ٥٦].

والعلماء يقولون: إن المخ فيه عدة مخازن، كل مخزن له خاصية، المخزن المقدم خاصيته التدبير، يعني: تلقي الأوامر من القلب، نحن لا نوافقهم على أن التدبير في المخ، نقول: كذبتم، التدبير في القلب؛ لأن الله تعالى نص على هذا: {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها}. وقال تعالى: {فإنَّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الَّتي في الصُّدور} [الحج: ٤٦]. يعني: ما وراء هذا التدبير من بيان على أن القلب هو محل العقل وهو محل التدبير، لكن لا شك أن المخ- بإذن الله- سكرتير موصل ومنفذ، فالتصور في المخ، يتصور الشيء ويحرره ويزينه من كل وجه، ثم يرسل للقلب يقول: ماذا تقول أيها الملك؟ يوقع الملك على أنك تفعل كذا أو دبر كذا فيشتغل الدماغ يوزع الأعضاء، فيكون الدماغ مصدرًا للقبول والتنفيذ؛ يعني: ورود وصدور، صادر ووارد، هذا الدماغ، لكن القلب لا شك أنه هو الأصل ولو جاءوا بكل ما يأتون به قلنا: كذبتم؛ لأن قول الله عز وجل واضح وصريح.

الحاصل: أن الحكمة- والله أعلم- في إدخال القبر من قبل رأسه- وهو رجلي القبر- لأن الحقيقة أن جر الإنسان وقيادته تكون من الناصية، وهذا الحديث رواه أبو داود، ومن أهل العلم من قال: إنه حديث ضعيف؛ ولهذا مذهب الحنفية أن الميت يدخل من قبل القبلة- قبلة القبر- يدخل عرضًا من جهة قبلة القبر كما هو المتبع الآن عندنا، وهذا الأمر ليس على سبيل

<<  <  ج: ص:  >  >>