نقول: إن حمايته تمكن بدون ذلك، بأن يوضع سور عام على المقبرة، أو إذا كان يخشى أن ينبش فإنه يسوّى بالأرض؛ ولهذا قال العلماء: إذا مات أحد من المسلمين في بلاد الكفر وخيف عليه من النبش فإنه يسوى بالأرض ولا يبرز القبر خوفًا عليه، فإذا كان الإنسان يخاف على صاحب القبر فهذا الخوف يزول بطريق آخر غير البناء عليه، وإلا فإن البناء محرم.
ويستفاد من هذا الحديث: اعتبار الوسائل، وأن الوسائل لها أحكام المقاصد، وهذه القاعدة قاعدة شرعية معتبرة عند أهل العلم ولها أدلة كثيرة منها هذا الحديث، ومنها قوله تعالى:{ولا تسبُّوا الَّذين يدعون من دون الله فيسبُّوا الله عدوا بغير علمٍ}[الأنعام: ١٠٨]. لأنه لما كان سب آلهتهم ذريعة إلى سب الله نهى الله عنه، فيستفاد منه: أن الوسائل لها أحكام المقاصد.
فيستفاد من الحديث: سد الشارع كل طريق يوصل إلى الشرك ولو من طريق بعيد، يؤخذ من النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه.
ويستفاد من الحديث: تحريم امتهان القبور؛ لقوله:"وأن يقعد عليه"، ومن امتهانها: أن يبول أو يتغوط عليها أو بينها؛ ولهذا قال أهل العلم: يحرم البول بين القبور وعلى القبور، وكذلك التغوط؛ لأن في ذلك امتهانًا لها وهي قبور محترمة، وهل يؤخذ منه مبدأ حماية المقبرة؟ ربما يؤخذ، وإن كان من الممكن أن يقول قائل: لم تكن المقابر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم محوّطة، فيقال: إن حمايتها ليست منهيًّا عنها وهي وسيلة إلى حفظ هذه القبور من الامتهان؛ لأن القبور إذا لم تكن محوطة ربما ينتهبها الناس، وربما يعتدون على أرضها أيضًا ويلحقونها بأملاكهم.
٥٥٤ - وعن عامر بن ربيعة رضي الله عنه:"أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى على عثمان بن مظعونٍ، وأتى القبر، فحثى عليه ثلاث حثياتٍ وهو قائمٌ". رواه الدَّارقطنيُّ.
عثمان بن مظعون رضي الله عنه من المهاجرين، ومات بعد أن شهد بدرًا في السنة الثانية، قال المؤرخون: وهو أول من مات من المهاجرين في المدينة، وأول من دفن في البقيع من المهاجرين رضي الله عنه، وهاجر إلى الحبشة ورجع منها لما قيل: إن قريشًا أسلموا، وتوفي بالمدينة وشهد النبي صلى الله عليه وسلم جنازته وجعل عليه حجرًا قال:"أدفن إليه من مات من أهله"، وهذا يدل على أن عثمان له منزلة في نفس النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا حثا على قبره ثلاث حثيات وهو قائم، بيد واحدة أو بيديه جميعًا؟ ورد في بعض الأحاديث أن ذلك بيديه جميعًا. وهذا الحديث ضعيف لكن له