[المطففين: ١٣، ١٤]. فلم يعفوا الحق- والعياذ بالله- ولم يعرفوا قدر هذا القرآن العظيم؛ لأن قلوبهم قد ران عليها ما كانوا يكسبون، فالذنوب كلها شر، كلها آثام، كلها بلاء، يحصل فيها من العقوبات العامة والخاصة ما هو ظاهر، ولو لم يكن من ذلك إلا قوله تعالى:{ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي النَّاس}[الروم: ٤١]. ومن أراد أن يعرف آثار الذنوب وعقوباتها فليقرأ كتاب ابن القيم المعروف بـ"الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي"، فإنه ذكر في أول هذا الكتاب عقوبات عظيمة للذنوب وآثارها في المجتمع وفي الشخص نفسه.
يستفاد من هذا الحديث: إثبات الأخوة بين المسلمين لقوله: "استغفروا لأخيكم"، وهو كذلك، وأقوى رابطة بين بني آدم هي الرابطة الإيمانية والأخوة الإسلامية هذه أقوى رابطة، أقوى حتى من النسب، أقوى من كل شيء، انظر إلى قوله تعالى:{الأخلاء يومئذ} يوم القيامة {بعضهم لبعضٍ عدوٌّ} كل خليل عدو لخليله {إلَّا المتَّقين}[الزخرف: ٦٧]. فالتقوى هي الجامع التي تجمع بين الرجلين في الدنيا وفي الآخرة، خليلك في الدنيا هو خليلك في الآخرة إذا كانت الخلة لله وسببها التقوى.
ويستفاد من هذا الحديث: أن الدعاء في هذه الحال يكون في حال القيام لقوله: "وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم".
بقي أن يقول قائل: هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل؟ هل يستغفر ويدعو بالتثبيت؟ الظاهر: أنه كان يقول ويفعل، ولكنه يقول لينبه الناس إلى أن يقولوا، ويكون حينئذٍ قولنا:"الآن" امتثالًا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم لا لمجرد التأسي، لو كان يقول هكذا ويسمع الناس ويقتدون به صار اقتداء به لمجرد التأسي، لكن إذا قال: افعلوا؛ صار فعلنا لها امتثالًا للأمر، وهذا أقوى من مجرد التأسي.
ومن فوائد الحديث: أن فيه آية للرسول صلى الله عليه وسلم، كيف ذلك؟ لقوله:"فإنه الآن يسأل"؛ لأن هذا من أمر الغيب، ما تعلم ماذا يكون للميت بعد موته إلا عن طريق الوحي أو شيئًا يطلع الله تعالى عليه العباد للعبرة والعظة أو للكرامة وما أشبه ذلك، وإلا فالأصل أن هذا أمر مغيب لا يعلم إلا عن طريق الوحي، وكون الرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد لنا ذلك بقوله:"فإنه الآن يسأل" لا شك أنه دليل على أنه نبي الله حقًا ورسوله حقًا لعلمه بما لا نعلمه.
ويستفاد منه أيضًا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك لغيره نفعًا ولا ضرًّا، وإلا لما سأل ولما دعا كما هو ظاهر الحديث؛ لأنه سأل ودعا، وهذا أمر معلوم يجب علينا أن نؤمن به أي: بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يملك لنا ولا لنفسه نفعًا ولا ضرًّا؛ لأن الله أمره أن يبلغ هذا لأمته:{قل لَّا أقول لكم عندي خزائن الله}[الأنعام: ٥٠]. {قل لَّا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًّا إلَّا ما شاء الله}[العراف: ١٨٨]. {قل إنِّي لا أملك لكم ضرًّا ولا رشدًا}[الجن: ٢١]. فيجب علينا أن نؤمن بهذا؛ لأن الله أمر رسوله أن يبلغه.