وعلى كل حال: فهذه المسألة الأصل عدمها؛ ولهذا ما كان الصحابي كل واحد يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: ادع الله لي إلا لسبب من الأسباب، كما قال عكاشة بن محصن:"ادع الله لي"، فإذا كان لسبب فهم يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم الدعاء، وكذلك أيضًا إذا كان لعموم المسلمين، كسؤال النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء بالمطر بالغيث فهذا لا بأس به؛ لأنك لا تسأل الناس لك، ثم إننا لابد أن نلاحظ ألا يسأل الإنسان الدعاء لنفسه على وجه التذلل للمسئول، كما يفعله بعض من يعتقدون الولاية في أناس، فيأتي كأنه عبد ذليل ربما يخضع له كما يخضع لله عز وجل ويقول: يا سيدي، ادع الله لي، فهذا يكون حرامًا من أجل ما يقترن به من الذل للمخلوق كذلك أيضًا نلاحظ عندما نسأل غيرنا ألا يكون في ذلك ضرر على المسئول، بحيث يؤدي ذلك إلى الإعجاب بنفسه، وأنه أهلٌ لأن يطلب منه الدعاء، فيظن أنه من أولياء الله الذين تجاب دعوتهم، كل هذه المسائل تجب ملاحظتها.
والأفضل على كل حال: ألا تسأل مهما كان الذي يقابلك مما يكون في نظرك من صلاحه.
ويستفاد من الحديث: الدعاء عند الفراغ من الدفن مباشرة؛ لقوله:"الآن" و"الآن" معروف أنه: ظرف للوقت الحاضر، ومثل ذلك لو أن أحدًا من الناس توفي وبقي في الثلاجة لمدة أيام فإنه لا يسأل حتى يدفن، فإنه لم يكن دفن كما لو مات في البحر فإنه سوف يدفن في البحر:
قال العلماء: يضع في رجليه شيئًا ثم يلقيه في البحر حتى ينزل، كذلك لو فرض أن رجلًا مات في صحراء ولم يمكن نقله ولا الحفر له ووضع عليه أحجار فإن ذلك بمنزلة الدفن، والمهم: أن الأحياء إن أسلموا الميت ورأوا أنهم قد انتهى عملهم فيه فإن هذا بمنزلة الدفن، يكون السؤال حينئذ.
ومن فوائد الحديث: أن الإنسان في هذه الحال قد يثبت بدعوة إخوانه المسلمين له، يؤخذ من أمره صلى الله عليه وسلم بالاستغفار والتثبيت، وإلا لكان الأمر بذلك لغوًا لا فائدة منه، وفي الحديث دليل على أن الاستغفار والتثبيت، وإلا لكان الأمر بذلك لغوًا لا فائدة منه، وفي الحديث دليل على أن الاستغفار سبب لفتح الله على العبد سواء كان ذلك في عبادة أو في علم؛ لقوله:"استغفروا لأخيكم"، ويشير إلى هذا قوله تعالى: {إنَّا أنزلنا إليك الكتاب بالحقِّ لتحكم بين النَّاس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيمًا (١٠٥) واستغفر الله ... } [النساء: ١٠٥، ١٠٦]. فإن في هذه الآية إشارة إلى أن الاستغفار سبب لإصابة الصواب، ولهذا كان بعض العلماء إذا وردت عليه مسألة صار يستغفر الله، والمناسبة في هذا ظاهرة؛ لأن الذنوب رين على القلوب، والاستغفار سبب لإزالة ذلك وتطهير القلوب منها، فإذا زال الرين حصل البيان، والدليل على أن الذنوب تحول بين المرء وبين رؤية الحق قوله تعالى: {إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأوَّلين (١٣) كلَّا بل ران على قلوبهم}