قال:"واسألوا له التثبيت" يعني: اسألوا أن يثبته الله عز وجل، وعلل هذا الحكم بقوله:"فإنه الآن يسأل"، بعد أن يفرغ من دفنه يسأل، ولم يبيّن النبي صلى الله عليه وسلم من يسأله، لكنه بين في أحاديث أخرى، وهو أنه:"يأتيه ملكان فيسألانه"، وما هو المسئول عنه؟ يسألانه عن أمور ثلاثة: عن ربه، ودينه، ونبيه.
من فوائد الأحاديث التي مرت علينا: إثبات السؤال في القبر، الدلالة ليست واضحة لكن من أجل شواهدها، ممكن أن نقدم عليها ونقول: إن السؤال لابد أن يكون له نتيجة وإلا لم يكن للسؤال فائدة.
يستفاد من حديث عامر بن ربيعة: أنه ينبغي قصد القبر ليحثو عليه لقوله: "وأتى القبر فحثى".
ومن فوائده: أنه إذا كان يحثو لا يكون قاعدًا، بل يكون قائمًا لئلا ينسب إلى كونه مصابًا بهذه المصيبة كالجاثي على ركبتيه؛ لأن الإنسان إذا أتاه ما يفزعه أو أصيب بمصيبة حثا على ركبتيه، فهذه العادة لكن هذا يحثو وهو قائم ولا يجثو.
ومن فوائده أيضًا: إثبات الصلاة على الميت لقوله: "صلى على عثمان".
ومن فوائده أيضًا: أن الشيء المعلوم المتواتر عند الناس لا يحتاج إلى بيانه في كل نص، فهنا "صلى" قد تقول: كيف الصلاة؟ فيقال: إنها معلومة فلا يحتاج إلى أن يبين في كل نص كيفية هذه الصلاة التي وقعت الآن مجملة، وإلا لكانت النصوص ملء الدنيا كلها.
وأما حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه ففيه: جواز طلب الدعاء لأخيك المسلم لقوله: "استغفروا لأخيكم"، ولكن هل هو مقيد بمثل هذه الحال، أو نقول: يجوز في كل مكان مثل أن تقول: لشخص: فلان أخوك مريض ادع الله له بالشفاء؟ يحتمل أن يكون مقيدًا بمثل هذه الحال؛ لأننا لم نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل مثل هذا السؤال في غير هذا المكان، ويحتمل أن يقال: إنه لما طلب من المسلمين أن يستغفروا له في هذا المكان دلّ هذا على أن الأصل عدم المنع، وأما طلب الإنسان الدعاء لنفسه، بمعنى: أن تطلب من شخص أن يدعو لك فالأولى ألا تفعل؛ لأنه قد يكون داخلًا في قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما بايع عليه أصحابه:"ألا يسألوا الناس شيئًا".
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ينبغي إذا سأل الدعاء من شخص لنفسه أن يقصد بذلك مصلحة الداعي قصدًا أوّليًا لا مصلحة نفسه، هو كيف ذلك؟ لأن أخاك المسلم إذا دعا لك بظهر الغيب قال له الملك: آمين، ولك بمثل؛ ولأنك إذا قصدت هذا فقد قصدت الإحسان إليه لا سؤاله أن يحسن إليك، وبينهما فرق.