في الجمعة، ولا في الاثنين، ولا في الخميس، ولا في غيرها، فتشرع زيارة القبور كل وقت، بل قد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج إلى أهل البقيع فسلم عليهم في الليل كما عند مسلم من حديث عائشة مطولًا، فعلى هذا نقول: زيارة القبور مستحبة في كل وقت.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يفعل ما يذكره بالآخرة، وجهه: أن الرسول أمر بالزيارة؛ لأنها تذكر بالآخرة، وهذا متى أوضح القياس وأجلاه إذا ألحق الفرع بالأصل في علة منصوصة عليها فهذا أبين القياس، وعلى هذا كل ما يذكّر الآخرة فإنه ينبغي للإنسان فعله سواء زيارة القبر، أو قراءة آيات موعظة أو أحاديث موعظة أو جلوس عند واعظ كلامه مؤثر أو ما أشبه ذلك.
ومن فوائد الحديث أيضًا: أنه ينبغي للإنسان أن يأخذ بأنواع الأسباب المؤثرة لا يقتصر على سبب واحد، بل كل الأسباب المؤثرة؛ لأنه لا شك أن القرآن أعظم واعظ وأن السنة بعده، ولكن هذا سبب آخر لاتعاظ الإنسان، فكونه يأخذ من كل نوع من المؤثرات بنصيب أحسن؛ لأن القلب أحيانًا قد لا ينتفع بهذه الموعظة العظيمة إما لكثرة ورودها عليه وإما لغفلته عندها أو ما أشبه ذلك، لكنه يتأثر بنوع آخر من المواعظ وإن كانت دونها في الأصل، وهذا أمر مشاهد.
ومن فوائد الحديث: أنك لو أمسكت أخاك، قلت: اجلس بنا نتذاكر الآخرة، نتذاكر الموت، نتذاكر آيات الله عز وجل، حتى نزداد إيمانًا ويقينًا، فإن ذلك من الأمور المشروعة، وقد كان السلف- رحمهم الله- يقول بعضهم لبعض:"اجلس بنا نؤمن ساعة" يعني: نحقق الإيمان واليقين ساعة، فهذا من الأعمال الطيبة، وكذلك لو كان الإنسان أحيانًا إذا غفل جلس مع نفسه ونظر وتذكر في الأمر وأحدث بذلك إنابة إلى الله عز وجل وخشية ورجوعًا إليه، فهذا أيضًا من الأعمال المطلوبة التي يدل عليها هذا الحديث.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الموت والقبر من أمور الآخرة، فهو داخل الإيمان باليوم الآخر لقوله:"فإنها تذكركم الآخرة"؛ ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله- في العقيدة الواسطية-: ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، فالقبور لا شك أنها من الآخرة وهي أول درجاتها ومراحلها، حتى قل بعضهم: إذا أردت صورة مصغرة ليوم القيامة فاخرج إلى المقبرة، تجد فيها الشريف والوضيع، والذكر والأنثى، والصغير والكبير، كلهم سواء، كلهم تحت هذا التراب، كلهم عليهم ما عليهم من التراب، ما فيه أحد عنده قصر ولا أحد عنده خدم، ولا شيء، ولهذا قيل: أول عدل الآخرة القبور، جاء إعرابي إلى بلد فيها حاكم فإذا الحاكم قد مات، فسأل عنه، فقالوا: إنه مات، قال: أين ذهب؟ قالوا: ذهب إلى المقبرة، فخرج إلى المقبرة فجاء إلى المقبرة يريد أبهة، يريد الخدم والحشم، دخل ما وجد إلا حفار القبور. قال له: أين الحاكم