بالأعم؛ لأنه أكثر فائدة، وعلى هذا فيكون حديث:"زوّارات" لا يعارض هذا اللفظ، فالجواب عنه بأحد وجهين كما عرفتم.
فإن قلت: ما الجواب عما رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها في زيارة النبي صلى الله عليه وسلم القبور وخروجها خلفه ثم رجوعها أمامه، ولما جاء وحدّثها بما فعل قالت: يا رسول الله، ماذا أقول لهم؟ قال:"قولي: السلام عليكم .... الخ". فإن قولها:"ماذا أقول لهم؟ " قد يشعر بجواز زيارة المرأة القبور.
فالجواب على هذا: أن عائشة ما قالت: ماذا أقول لهم إذا زرت القبور؟ بل قالت:"ماذا أقول لهم؟ " فقط، هذا لفظ مسلم، فيحمل على أحد أمرين: إما أن يكون دعاءً عامًا ليس سببه الزيارة، وإما أن يكون المراد: إذا مررت بها غير قاصدة للزيارة، ويكون هذا جمعًا بين الحديثين، وإذا أمكن الجمع بين الحديثين وجب المصير إليه قبل أن نتدرج إلى الترجيح أو النهي، فنقول: المرأة إذا خرجت من بيتها قاصدة الزيارة فهي داخلة في اللعن، أما إذا مرّت بغير قصد الزيارة ووقفت وسلمت، فالظاهر: أن هذا لا بأس به وهو لا يعد زيارة، ولو فرض عده زيارة لكان حديث عائشة قد يدل على جوازه.
فإن قلت: ما الجواب عن زيارة عائشة رضي الله عنها لقبر أخيها عبد الرحمن حيث زارته وبكت؟
فالجواب: أنها قد قالت: "لو حضرت موتك ما زرتك"، فكأنها رضي الله عنها أرادت الدعاء له، ثم نقول: هو فعل صحابية عارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن أن يعارض قول رضي الله عنه بقول أحد من الناس، ثم لعلها فهمت من تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لها أن تقول لأهل المقابر:"السلام عليكم دار قوم مؤمنين" لعلها فهمت من ذلك: أنه يجوز زيارة المرأة ولم يبلغها حديث اللعن، فما دام فعلها فعل صحابي فيه احتمالات فإنه لا يكون حجة، ومهما كان في الحجة ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا كان زيارة القبور محرمة بمقتضى الدليل فإنها محرمة أيضًا بمقتضى النظر والتعليل، كيف ذلك؟ لأن النساء رقيقات لينات العاطفة، لو فتح لهن الباب لكانت كل امرأة تذهب كل صباح ومساء إلى قبر أمها أو أبيها تصيح عنده وتنوح؛ ولهذا أعقب ابن حجر رحمه الله حديث زائرات القبور بحديث النائحة والمستمعة، فالمرأة لا تصبر، ثم غالبًا تكون المقابر خارج البيوت، فإذا خرج النساء إلى هذه المقابر كان سببًا لتعرض الفسَّاق وأهل الفجور إليهن، وربما يحصل بذلك فتنة عظيمة، فكان مقتضى النظر والتعليل منعهن من الزيارة لخوف فتنتهن