للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥٥٩ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور". أخرجه التِّرمذيُّ، وصحَّحه ابن حبَّان.

"لعن" يعني قال: اللهم العن زائرات القبور، أو قال: هن ملعونات؛ فعلى الأول يكون معنى "لعن": أي دعا باللعنة، وعلى الثاني يكون معنى "لعن" أخبر بأنهن ملعونات، وكلا الأمرين سواء في المعنى، واللعن هو: الطرد والإبعاد عن رحمة الله- سبحانه وتعالى-، ولا يكون اللعن إلا على فعل كبيرة من كبائر الذنوب.

وقوله: "زائرات القبور" للمؤنث، وتحصل الزيارة بالمرة، فإذا زارت المرأة القبور ولو مرة واحدة فقد فعلت كبيرة من كبائر الذنوب، ودخلت في لعنة الله- والعياذ بالله-.

وقوله: "لعن زائرات القبور" ليس هو النهي؛ لأن النهي غير اللعن، والرسول صلى الله عليه وسلم ما قال: كنت لعنتكم فزوروها، حتى نقول: إن الحديث الأول ناسخ للثاني؛ ولهذا من حسن صنيع ابن حجر أنه أتى بالثاني بعد الأول إشارة إلى أن الثاني مخصص للأول وليس الأول ناسخًا له وهو كذلك، ومن تدبر الحديثين عرف أنه ليس بينهما نسبة نسخ إطلاقًا؛ لأن الحديث الأول: "كنت نهيتكم" عمومًا، والثاني خاص بالنساء، ثانيًا: أن الأول فيه النهي دون اللعن، والثاني فيه اللعن، فبينهما فرق واضح.

إذن يستفاد من هذا الحديث: أن زيارة المرأة للقبور من كبائر الذنوب.

فإن قلت: ألا تدخل في العموم السابق وتكون نسخًا؟

قلنا: لا يثبت لما عرفتم.

فإن قلت: ما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: "لعن الله زوّارات القبور" بالتشديد و"فعال" صيغة مبالغة؟

قلنا: إن كلمة "زوّار" تأتي للمبالغة، وتأتي للنسبة كبنَّاء ونجَّار ونحو ذلك، وإذا كان الدليل محتملًا فمع الاحتمال يبطل الاستدلال، ثانيًا: على فرض أن "زوَّارات" للمبالغة فإن "زائرات" أعم؛ لأنه إذا لعنت الزائرة فالزوّارة كثيرة الزيارة من باب أولى، ومعلوم أننا نأخذ

<<  <  ج: ص:  >  >>