للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نرجع للحديث فنقول: كون الرسول صلى الله عليه وسلم يعلِّم أصحابه إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا هكذا يدل على اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء، وثانيًا: ينبغي للمسلم أن يدعو به إذا خرج إلى المقبرة، ولكن هل إذا خرج بمجرد خروجه من بيته أو حتى يصل؟ لا شك أن المراد: حتى يصل إلى المقبرة، ومنها قوله: "السلام عليكم أهل الديار"، وعندي أي: في نسختي في الشرح يقول: "السلام على أهل الديار"، فإذا صحّ اللفظ بالخطاب فإنه يحمل على أحد وجهين: إما أن الأموات يسمعون ليصح الخطاب، وإما أنه نزّل استحضاره إيّاهم كأنما يشاهدهم نزّله منزلة من يخاطب، وإن كانوا لا يسمعون بدليل أن الصحابة كانوا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد موته يقولون: "السلام عليك أيها النبي" فهل الرسول صلى الله عليه وسلم حاضر عندهم، وكذلك إلى الآن عندما نقول ذلك هل الرسول حاضر؟ لا؛ لأنهم يسلمون عليه في أقصى المدينة وفي بلاد أخرى، فهم لا يخاطبونه مخاطبة الحاضر، ولكن يقول شيخ الإسلام: إن هذا من باب قوة استحضار القلب لهذا المدعو له كأنه أمامك تخاطبه، فإذا كان الاحتمال هذا واردًا على الاحتمال الأول فإنه لا يمكن أن تجزم بأن أهل المقابر يسمعون سلام الناس إذا سلّموا عليهم ما دام الاحتمال واردًا؛ لأن المعروف أنه إذا حصل الاحتمال سقط الاستدلال؛ لأنه ما يتعين أن يكون دالًا على ذلك.

ويستفاد من هذا الحديث: أن المقابر ديار لقوله: "أهل الديار"، ولكنها ديار قوم لا يتزاورون؛ لأنهم أموات وهي دار كل حي، فإن مآل كل إنسان حي إلى هذه الدار، ومع هذا فهذه الدار ليست دار قرار، حتى القبور ليست دار قرار، وإنما هي زيارة؛ ولهذا سمع أعرابي رجلًا يقرأ قول الله تعالى: {ألهاكم التكاثر (١) حتَّى زرتم المقابر} [التكاثر: ١، ٢]. فقال: والله ما الزائر بمقيم، انظر سبحان الله! أعرابي [يفهم] أن الزائر ليس بمقيم، ومعناه: أن هناك شيئًا آخر وراء هذه المقابر وهو كذلك.

ويستفاد من الحديث: الفرق بين الإيمان والإسلام وهذا موضع اختلف الناس فيه، فمنهم من قال: إن الإسلام هو الإيمان، ومنهم من فرّق بينهما، وسبب هذا الاختلاف ظواهر بعض النصوص، فإن بعض النصوص يفهم منها أن الإسلام والإيمان شيء واحد، مثل قوله تعالى: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين (٣٥) فما وجدنا فيها غير بيتٍ من المسلمين} [الذاريات: ٣٥، ٣٦]. فدل هذا على أن الإيمان والإسلام واحد، وقال بعض أهل العلم- وهو الحق-: إن الإيمان غير الإسلام، ودليل ذلك قوله تعالى: {قالت الأعراب آمنَّا .... } [الحجرات: ١٤] الآية.

وقوله في حديث جبريل: أخبرني عن الإسلام؟ فقال: أن تشهد .... الخ. ثم قال: أخبرني عن الإيمان؟ فدل ذلك على أن الإيمان غير الإسلام وهذا هو الحق، لكن إذا انفرد أحدهما دخل فيه الآخر، فقوله تعالى: {ورضيت لكم الإسلام} [المائدة: ٣]. وقوله: {إنَّ الذين عند الله

<<  <  ج: ص:  >  >>